المصلحة الذاتیة للدول الغنیة تعنی تدهور أزمة اللاجئین لا تحسنها

رمز المدونة : #1044
تاریخ النشر : پنج شنبه, 15 مهر 1395 21:41
نشرت منظمة العفو الدولیة تقییماً شاملاً للأزمة العالمیة للاجئین، قالت فیه إن الدول الغنیة أبدت افتقارها التام للقیادة وتحمل المسؤولیة، إذ لم تجد بأساً ولا عیباً فی أن تتحمل 10 دول فقط عبء استیعاب 56% من إجمالی اللاجئین فی العالم، رغم أن نصیب هذه الدول من إجمالی الناتج المحلی العالمی لا یبلغ 2.5%.

نشرت منظمة العفو الدولیة  تقییماً شاملاً للأزمة العالمیة للاجئین، قالت فیه إن الدول الغنیة أبدت افتقارها التام للقیادة وتحمل المسؤولیة، إذ لم تجد بأساً ولا عیباً فی أن تتحمل 10 دول فقط عبء استیعاب 56% من إجمالی اللاجئین فی العالم، رغم أن نصیب هذه الدول من إجمالی الناتج المحلی العالمی لا یبلغ 2.5%.

وفی تقریرها الصادر تحت عنوان: "التصدی للأزمة العالمیة للاجئین: من التملص عن المسؤولیة إلى تقاسمها"، توثق المنظمة الأوضاع المحفوفة بالمخاطر التی یواجهها الکثیرون من اللاجئین البالغ عددهم 21 ملیوناً فی مختلف أنحاء العالم. فبینما بات الکثیر من اللاجئین فی أمسِّ الحاجة للمأوى، فی الیونان والعراق وجزیرة ناورو، وعلى الحدود السوریة والأردنیة، یتعرض آخرون لمضایقات متزایدة من السلطات فی کینیا وباکستان.

ویطرح التقریر حلاً منصفاً وعملیاً للأزمة، یرتکز على نظام یحدد بناءً على معاییر موضوعیة وملائمة النسبة العادلة من اللاجئین التی ینبغی على کل دولة من دول العالم استیعابها، بغیة إیجاد المأوى لعشرة فی المائة من اللاجئین فی العالم کل عام.

ویقول الأمین العام لمنظمة العفو الدولیة سلیل شیتی: "إن عشراً فقط من دول العالم المائة والثلاث والتسعین تؤوی أکثر من نصف مجموع اللاجئین فی العالم، مما اضطر عدداً صغیراً من الدول لتحمل عبء ثقیل ینوء بکاهلها لمجرد کونها الدول المجاورة لأزمة ما. ومثل هذا الوضع بطبیعته لا یمکن أن یدوم، الأمر الذی یعرض الملایین من اللاجئین الفارین من ویلات الحرب والاضطهاد، فی بلدان مثل سوریا وجنوب السودان وأفغانستان والعراق، لما لا یطیقونه من البؤس والمعاناة والشقاء."

ویضیف شیتی قائلاً "لقد آن الأوان لأن ینخرط زعماء العالم فی نقاش جاد وبناء حول سبل المساعدة التی سوف تقدمها مجتمعاتهم للاجئین الذین اضطرتهم ویلات الحروب والاضطهاد للرحیل عن دیارهم وأوطانهم؛ یجدر بهؤلاء الزعماء أن یفسروا لمجتمعاتهم لماذا یستطیع العالم إنقاذ البنوک الآیلة للإفلاس، وتطویر تقنیات جدیدة، وخوض غمار الحروب، ولکنه غیر قادر على توفیر المأوى الآمن لزهاء 21 ملیون لاجئ، أی ما لا یتجاوز 0.3 فی المائة من سکان العالم.

"إذا تکاتفت دول العالم، وتقاسمت المسؤولیة فیما بینها، فبمقدورنا أن نقدم ید العون لهؤلاء البشر الذین أرغمتهم الظروف على ترک دیارهم والرحیل عن أوطانهم، بلا ذنب اقترفوه، ومساعدتهم على إعادة بناء حیاتهم وهم بمأمن من الأخطار فی أی مکان آخر. وما لم نفعل شیئاً من أجل هؤلاء، فمعنى ذلک أننا نترکهم لیلقوا حتفهم، إما غرقاً أم بسبب ما یفتک بهم فی المخیمات والمعتقلات البائسة من أمراض تتوفر سبل الوقایة منها، أو بسبب إرغامهم على العودة إلى مناطق الصراع التی نزحوا فراراً منها".

یؤکد التقریر على الضرورة الملحة لأن تزید دول العالم عدد من تستوعبهم من اللاجئین إلى حد کبیر، ویوثق محنة اللاجئین فی جمیع قارات العالم:

هنالک أعداد متنامیة من اللاجئین فی باکستان وإیران ممن نزحوا عن أفغانستان فراراً من الصراع المحتدم فی هذا البلد؛ ویواجه اللاجئون الأفغان فی باکستان مضایقات متزایدة من السلطات التی أرغمت أکثر من 10 آلاف من هؤلاء اللاجئین حتى الآن على العودة إلى بلادهم التی مزقت الحرب أوصالها.
فی کینیا، یتعرض اللاجئون الذی یعیشون فی مخیم داداب إلى ضغوط متزایدة لحملهم على العودة على الصومال؛ وتسعى الحکومة لتقلیص حجم سکان المخیم بمقدار 150 ألف لاجئ قبل نهایة عام 2016؛ علماً بأن أکثر من 20 ألف لاجئ صومالی قد رحلوا عن مخیم داداب عائدین إلى الصومال.
أصبح أکثر من 75000 لاجئ ممن فروا من سوریا عالقین الآن فی منطقة صحراویة ضیقة على الحدود مع الأردن تعرف بـ "الساتر الترابی".یرزحون تحت وطأة ظروف مروعة.

فی جنوب شرقی آسیا، یعیش اللاجئون وطالبو اللجوء من طائفة الروهینغیا الذین نزحوا عن میانمار فی خوف مستمر من الاعتقال والتعذیب والاضطهاد، ومن إعادتهم إلى وطنهم فی بعض الحالات. ففی مراکز الاعتقال فی مالیزیا، یرزح اللاجئون وطالبو اللجوء من طائفة الروهینغیا وغیرهم تحت وطأة طائفة من الظروف القاسیة، بما فی ذلک الاکتظاظ فی مراکز الاعتقال، حیث یتعرضون لأخطار شتى، من بینها المرض والاعتداء والإیذاء البدنی والجنسی، بل حتى الموت بسبب نقص الرعایة الطبیة الصحیحة.
یتهم التقریر بعض دول الاتحاد الأوروبی وأسترالیا باستخدام "الانتهاکات المنهجیة لحقوق الإنسان والإیذاء کأداة سیاسیة" لإبقاء اللاجئین بمنأى عن أراضیها. ففی یولیو/تموز 2016، وجدت منظمة العفو الدولیة أن 1200 من النساء والرجال والأطفال الذین یعیشون فی مرکز للاعتقال بجزیرة ناورو قبالة الشواطئ الأسترالیة یقاسون ضروباً من الإیذاء الشدید والمعاملة اللاإنسانیة والإهمال.
یبرم الاتحاد الأوروبی صفقات غیر نزیهة مع لیبیا والسودان، وغیرهما من الدول، للحد من تدفق اللاجئین والمهاجرین. ویعانی اللاجئون من انتهاکات واسعة النطاق فی مراکز الاعتقال الخاصة بالهجرة، حیث یُحتجزون بصورة غیر قانونیة دون السماح لهم بالاتصال بمحامین، بعد أن تعترض قوات خفر السواحل اللیبیة زوارقهم أو تعتقلهم الجماعات المسلحة وقوات الأمن. ومن المعلوم أن قوات الأمن التی تستخدمها الحکومة السودانیة فی مراقبة الهجرة کانت لها صلة بانتهاکات حقوق الإنسان فی درافور.

منذ ینایر/کانون الثانی حتى یونیو/حزیران 2015، رصدت المفوضیة العلیا لشؤون اللاجئین التابعة للأمم المتحدة 1100 حالة وفاة فی البحر فی جنوب شرقی آسیا، وکان معظم الضحایا من أبناء طائفة الروهینغیا؛ ومن المرجح أن یکون عدد الوفیات أعلى من ذلک بکثیر.
فی عام 2015، وصل أکثر من ملیون من اللاجئین والمهاجرین إلى السواحل الأوروبیة عبر البحر، ویُخشى أن یکون زهاء 4000 قد هلکوا غرقاً أثناء هذه الرحلة. ولقی أکثر من 3500 حتفهم فی الأشهر التسعة الأولى من عام 2016.
فی عام 2016، علمت منظمة العفو الدولیة من اللاجئات من دول جنوب الصحراء الکبرى فی شمال إفریقیا، اللاتی مررن عبر لیبیا، أن الاغتصاب بلغ من الشیوع فی طرق تهریب البشر حداً دفعهن لتعاطی حبوب منع الحمل قبل سفرهن تجنباً للحمل بسبب الاغتصاب. وقد أفاد اللاجئون والمهاجرون أن مهربی البشر یحتجزونهم أسرى لابتزاز أهالیهم وإرغامهم على دفع فدیة؛ ویُحتجز هؤلاء فی ظروف بشعة، وأماکن قذرة، حیث یُحرمون من الغذاء والماء، ویتعرضون للضرب.
یتعرض اللاجئون وطالبو اللجوء الفارون من العنف المتزاید فی منطقة المثلث الشمالی بأمریکا الوسطى للاختطاف، والابتزاز، والاعتداء الجنسی، والقتل أثناء رحلة اللجوء عبر الأراضی المکسیکیة إلى الحدود الأمریکیة.
 أزمة اللاجئین لا تقتصر على البحر المتوسط

وقال سلیل شیتی "إن أزمة اللاجئین لا تقتصر على البحر المتوسط؛ بل یواجه اللاجئون المخاطر فی شتى أنحاء العالم، ویُحشرون فی قوارب مکتظة، أو یرزحون تحت وطأة ظروف مزریة حیث یکونون عرضة للاستغلال، أو یضطرون لخوض رحلات محفوفة بالمخاطر یکونون فیها تحت رحمة مهربی البشر والجماعات المسلحة. ویجب على زعماء العالم وضع نظام عادل لتقاسم المسؤولیة عن تقدیم المساعدة لهم."

البلدان المجاورة للصراعات تتحمل عبء المسؤولیة عن استیعاب الأغلبیة الساحقة من اللاجئین فی العالم

یقول التقریر إن التقاسم غیر العادل للمسؤولیة یؤدی إلى تفاقم الأزمة العالمیة للاجئین، ویفضی إلى الکثیر من المشاکل التی یواجهها اللاجئون. ویحث التقریر جمیع دول العالم على قبول نسبة عادلة من اللاجئین، تستند إلى معاییر موضوعیة تعکس قدرتها على استیعاب اللاجئین.

ویقول التقریر إن أی نظام قائم على البداهة والفطرة السلیمة لتقییم قدرة الدول على استیعاب واستضافة اللاجئین، یستند إلى معاییر من قبل الثروة، والسکان، والبطالة، من شأنه أن یسلط الضوء على الدول المتقاعسة عن تحمل نصیبها العادل من المسؤولیة.

ویسلط التقریر الضوء على التباین الصارخ بین عدد اللاجئین السوریین الذین استوعبتهم دول الجوار، وأولئک الذین قبلتهم دول أخرى مماثلة فی التعداد السکانی.

فبریطانیا، على سبیل المثال، استوعبت أقل من 8000 لاجئ سوری منذ عام 2011، فی حین أن الأردن یستضیف أکثر من 655,000 لاجئ من سوریا، علماً بأن التعداد السکانی لبریطانیا یبلغ نحو عشرة أضعاف نظیره فی الأردن، وأن إجمالی الناتج المحلی للأردن لا یتجاوز 1.2 فی المائة من نظیره البریطانی.
أما لبنان - الذی یبلغ تعداده السکانی 4.5 ملیون نسمة، ومساحته 10 آلاف کیلومتر مربع، وإجمالی الناتج المحلی للفرد الواحد فیه 10 آلاف دولار– فهو یستضیف أکثر من 1.1 ملیون لاجئ من سوریا، فی حین أن نیوزیلندا لم تستوعب حتى الآن سوى 250 لاجئاً من سوریا، علماً بأن تعدادها السکانی مماثل لتعداد سکان لبنان، ومساحتها 268 ألف کیلومتر مربع، وإجمالی الناتج المحلی للفرد الواحد فیها 42 ألف دولار.
أما أیرلندا، البالغ تعدادها السکانی 4.6 ملیون نسمة، ومساحتها سبعة أضعاف مساحة لبنان، واقتصادها خمسة أضعاف الاقتصاد اللبنانی، فلم تستضف حتى الآن سوى 758 لاجئاً من سوریا.
ویوضح التقریر کیف أن بمقدور الدول الأغنى فی العالم استیعاب نسبة أکثر عدلاً من مجموع اللاجئین المعرضین للأخطار فی العالم حالیاً؛ فوفقاً لمعاییر حجم السکان، والثروة الوطنیة، ومعدلات البطالة، ینبغی على نیوزیلندا، مثلاً، استضافة 3466 لاجئاً؛ وهذا عدد یسهل على نیوزیلندا استیعابه کما یتضح بجلاء من مقارنته بملیون ومائة ألفٍ من اللاجئین المشمولین بولایة مفوضیة الأمم المتحدة لشؤون اللاجئین فی لبنان المماثل لنیوزیلندا تعداداً للسکان.

إن المشکلة لیست هی العدد العالمی للاجئین، بل هی أن الکثیر من أغنى دول العالم هی أقل الدول استضافة للاجئین وأقلها مساعدة لهم.

ویقول شیتی "إن المشکلة لیست هی العدد العالمی للاجئین، بل هی أن الکثیر من أغنى دول العالم هی أقل الدول استضافة للاجئین وأقلها مساعدة لهم.

 

یستشهد التقریر بکندا باعتبارها مثالاً جدیراً بأن یُحتذى، إذ یوضح کیف یتسنى للدول، إذا تحلت بروح القیادة وامتلکت الرؤیة، أن تعید توطین أعداد کبیرة من اللاجئین فی الوقت المناسب.

فقد أعادت کندا توطین زهاء 30 ألف لاجئ سوری منذ نوفمبر/تشرین الثانی 2015؛ وتکفلت الحکومة الکندیة برعایة ما یربو على نصفهم قلیلاً، بینما وصل نحو 11 ألفاً آخرین من خلال ترتیبات خاصة للرعایة. وحتى أواخر أغسطس/آب 2016، کان ثمة 18000 طلب إضافی للاجئین سوریین قید النظر، معظمهم فی لبنان والأردن وترکیا.

ولیس هناک الیوم سوى نحو 30 دولة تدیر نوعاً أو آخر من برامج إعادة توطین اللاجئین، وعدد الدول المتاحة لهم سنویاً یقل بکثیر عن الاحتیاجات التی حددتها الأمم المتحدة؛ ویقول التقریر إنه إذا زاد هذا العدد إلى 60 أو 90، فسوف یکون لذلک أثرٌ بالغ على الأزمة.

وتشجیعاً لمزید من الدول على اتخاذ إجراء فعال، تدعو منظمة العفو الدولیة إلى وضع آلیة جدیدة لإعادة توطین اللاجئین المعرضین للأخطار، وآلیة جدیدة للنقل العالمی یُلجأ إلیها فی الحالات الحرجة مثل الصراع السوری، کیلا تجد دول الجوار أنفسها مثقلةً بعبء ضخم لا قبل لها به عندما تنزح أعداد کبیرة من اللاجئین فراراً بأرواحهم.

وبینما تستضیف قلة قلیلة من الدول الملایین من اللاجئین، فإن ثمة دولاً کثیرة لا تقدم شیئاً على الإطلاق.

وقال سلیل شیتی "إن العالم لا یمکن أن یستمر على هذا المنوال تارکاً الدول المضیفة وحدها تتحمل عبئاً باهظاً ینوء بکاهلها لمجرد أنها تقع بجوار دولة نشبت فیها أزمة ما، دون أن تتلقى أی مساندة من سائر دول العالم. وبینما تستضیف قلة قلیلة من الدول الملایین من اللاجئین، فإن ثمة دولاً کثیرة لا تقدم شیئاً على الإطلاق.

"لقد فشل العالم فشلاً ذریعاً فی الاتفاق على خطة لحمایة 21 ملیوناً من اللاجئین فی العالم؛ ولکن حیثما یتخاذل الزعماء، یصبح لزاماً على ذوی الضمائر الحیة من البشر أن یعززوا جهودهم ویضاعفوا ضغوطهم على الحکومات لحملها على التحلی بشیء من الإنسانیة تجاه أناس لا یختلفون عن غیرهم من البشر فی شیء سوى أنهم أُجبروا على الفرار من دیارهم".

 

 

مصدر»منظمة العفو الدولیة