قالت منظمة العفو الدولیة إن شریط فیدیو وصوراً بالأقمار الصناعیة لمواقع قبور مؤقتة ومدافن تظهر مشهداً نادراً فی عمق المنطقة الصحراویة المحایدة بین الأردن وسوریا، حیث تم عزل آلاف اللاجئین العالقین بصورة شبه تامة عن المساعدات الإنسانیة لمدة شهرین.

رمز المدونة : #993
تاریخ النشر : سه شنبه, 30 شهریور 1395 15:56
الحدود السوریة- الأردنیة: 75,000 لاجئ عالقون فی "المنطقة الحرام" من الصحراء فی ظروف مزریة

قالت منظمة العفو الدولیة إن شریط فیدیو وصوراً بالأقمار الصناعیة لمواقع قبور مؤقتة ومدافن تظهر مشهداً نادراً فی عمق المنطقة الصحراویة المحایدة بین الأردن وسوریا، حیث تم عزل آلاف اللاجئین العالقین بصورة شبه تامة عن المساعدات الإنسانیة لمدة شهرین.

وکانت قد حصلت منظمة العفو الدولیة على شریط الفیدیو من "مجلس عشائر تدمر والبادیة"، الذی لدیه شبکة من الناشطین العاملین داخل المنطقة المعروفة بالساتر الترابی. وقد تم التحقق منها باستخدام صور الأقمار الصناعیة.

وترسم روایات حدیثة جمعتها المنظمة من أشخاص فی منطقة الساتر الترابی صورة مریرة للمعاناة الإنسانیة، وتسلط الضوء على النتائج المأساویة لتقاعس العالم عن تقاسم المسؤولیة عن الأزمة العالمیة للاجئین. بینما سیجتمع قادة العالم، فی الأسبوع القادم، فی نیویورک لعقد قمتین رفیعتی المستوى لمناقشة أزمة اللاجئین.


صورة من الأقمار الصناعیة تظهر موقع المقابر والمدافن فی مخیم اللاجئین غیر الرسمی فی الرکبان على الحدود السوریة - الأردنیة حیث یوجد عشرات الالاف من اللاجئین العالقین. لقطة من فیدیو تم الحصول علیها من مجلس عشائر تدمر والبادیة. 
وتعلیقاً على هذه الظروف البائسة، قالت تیرانا حسن، مدیرة برنامج مواجهة الأزمات فی منظمة العفو الدولیة، إن "الحالة عند الساتر الترابی تعکس مشهداً کئیباً لنتائج التقاعس المزری من جانب العالم عن تقاسم المسؤولیة عن الأزمة العالمیة للاجئین. والحصیلة التی تبعث على الصدمة لهذا التقاعس هی إغلاق العدید من جیران سوریا حدودها فی وجه اللاجئین.

وأضافت قائلة: "إنها لصورة تبعث على الیأس بالنسبة للأشخاص المحاصرین عند الساتر الترابی، فالطعام قد بدأ ینضب والمرض یتفشى. وفی بعض الحالات، یفارق أشخاص الحیاة حتى بسبب أمراض یمکن شفاؤها، وهذا فقط لأنه لا یسمح لهم بدخول الأردن، حیث قامت السلطات بإغلاق السبل فی وجه المساعدات والعلاج الطبی والاستجابة الإنسانیة المجدیة."

 

لقد استقبل جیران سوریا، بما فی ذلک الأردن الذی یستضیف 650,000 لاجئ، الأغلبیة العظمى من الأشخاص الفارین من النزاع، ما فرض ضغوطاً هائلة على مواردها. ومع اقتراب موعد القمتین فی الأسبوع المقبل، تدعو منظمة العفو الدولیة قادة العالم إلى تجاوز الکلام المعسول وإعلان التزامات ملموسة باستقبال حصة عادلة من اللاجئین، لتخفیف الضغوط التی تتعرض لها البلدان التی تستضیف أعداداً کبیرة من اللاجئین. کما تدعو المنظمة الأردن إلى السماح على الفور بدخول اللاجئین العالقین عند الساتر الترابی.

 

لقد توقفت المساعدات الإنسانیة التی تصل إلى الساتر الترابی، بعد أن کانت تصل بصورة محدودة من قبل، توقفاً تاماً عندما أغلقت السلطات الأردنیة معبری الرکبان وحدلات الحدودیین، وذلک عقب هجوم انتحاری ممیت أدى إلى مقتل سبعة من أفراد حرس الحدود فی 21 یونیو/حزیران. ومنذ ذلک الوقت، لم تصل ما یزید على 75,000 شخص عالقین هناک سوى شحنة واحدة من المساعدات الغذائیة، فی أوائل أغسطس/آب. فقد حظرت السلطات الأردنیة على هیئات المعونات الإنسانیة الوصول إلى "المنطقة الحرام"، واضطرت هذه إلى إسقاط المواد التموینیة من فوق الساتر الرملی مستخدمة الرافعات.

فیما ذکر أبو محمد، الذی ظل یعیش فی مخیم الرکبان غیر الرسمی لخمسة شهور، أن الحالة هناک قد تدهورت بصورة حادة منذ هجوم 21 یونیو/حزیران.

ومضى یقول: "إن الحالة الإنسانیة سیئة جداً، وحالة الأطفال على وجه الخصوص سیئة للغایة. لدینا ماء للشرب، ولکن لا نکاد نملک أی طعام أو حلیب... الوضع مریع.

واختتم قائلاً: "لقد فارق أشخاص عدیدون الحیاة... کانوا یوزعون علینا الأرز والعدس وکیلوغراماً من التمر الجاف، ولکن کان هذا کل ما هنالک لشهر کامل، ولم یعطونا شیئاً سوى ذلک. أما الحالة النفسیة للناس المحاصرین فی الرکبان فدون الصفر."


ویشکل انعدام الرعایة الصحیة المناسبة، إلى جانب الأوضاع المتردیة التی یعیش فیها العالقون، وصفة ممیتة لهم. فقد أدى غیاب شروط النظافة الشخصیة وخدمات الصرف الصحی وقلة توافر الماء النظیف، حسبما ذکر، إلى انتشار الإصابة بوباء التهاب الکبد، الذی یعتقد أنه السبب الرئیسی لوفاة الأطفال فی الرکبان.

وتشیر مصادر الهیئات الإنسانیة إلى أن ما لا یقل عن 10 وفیات قد وقعت بسبب التهاب الکبد منذ یونیو/حزیران. وقالت مصادر فی الرکبان إن من توفوا کانوا من الأطفال الذین یعانون من الیرقان، المتسبب عن التهاب الکبد.

کما ذکر عاملون فی المساعدات أن ما لا یقل عن تسع حالات وفاة قد وقعت جراء الولادة منذ 21 یونیو/حزیران. وورد أن هناک عدداً کبیراً من النساء الحوامل اللاتی لا یستطعن الحصول على الرعایة الطبیة بین جموع اللاجئین.

هذا، فمن الصعب التحقق من العدد الإجمالی لمن فارقوا الحیاة نظراً لصعوبات الوصول إلى منطقة الساتر الترابی.

وبحسب مصادر داخل الرکبان، فارق رجل یبلغ من العمر 20 سنة الحیاة فی أواخر أغسطس/آب، على الأرجح، بسبب مضاعفات الیرقان الناجم عن إصابته بالتهاب الکبد. وورد أنه نزف حتى الموت بسبب إصابته بنزیف فی الجهاز الهضمی. حیث أدى غیاب العلاج الطبی إلى عدم قدرة أحد على تقدیم شیءلإنقاذ حیاته. وبین أکثر الأمراض انتشاراً فی المخیم التهابات الجهاز التنفسی والجفاف وداء اللیشمانیات وحالا الإسهال. وتظهر صور التقطتها الأقمار الصناعیة، وحصلت علیها منظمة العفو الدولیة، أن الکثافة السکانیة بالقرب من المخیمین غیر الرسمیین عند الرکبان والحدلات قد تزایدت بصورة کبیرة منذ أکتوبر/تشرین الأول 2015. ومع أن عدد اللاجئین فی الحدلات تراجع بشکل طفیف، عقب وقف المعونات الإنسانیة فی یونیو/حزیران، والضربات الجویة الروسیة القریبة فی یولیو/تموز، إلا أن العدد الإجمالی للاجئین إلى منطقة الساتر الترابی قد تزاید بصورة ثابتة.


ففی الرکبان، ارتفع العدد الإجمالی للملاجئ من 368 فقط قبل سنة إلى 6,563 فی أواخر یولیو/تموز 2016، وتزاید لیصل فی الآونة الأخیرة إلى ما یزید عن 8,295 فی سبتمبر/أیلول 2016. وتسلِّط موجة النزوح الهائلة هذه الضوء على أن آلاف الأشخاص ظلوا یفرون من وطأة النزاع فی سوریا على مدار الأشهر القلیلة الفائتة، حیث ترتکب جرائم حرب، وغیرها من الانتهاکات الجسیمة، بصورة یومیة.

بعزت السلطات الأردنیة أسباب إغلاقها الحدود ووقف العملیات الإنسانیة فی منطقة الساتر الترابی، بصورة متکررة، إلى بواعث قلق أمنیة. فأبلغ وزیر الدولة الأردنی للشؤون الإعلامیة، محمد المومنی، منظمة العفو الدولیة أن المنطقة المحیطة بالساتر الترابی "تتحول إلى جیب لداعش" (یخضع للجماعة المسلحة التی تسمی نفسها "الدولة الإسلامیة"). وبینما أقر بأن الحالة الإنسانیة هناک صعبة وقال إن الأردن مستعد لتحمل قسطه من المسؤولیة، إلا أنه دعا الأمم المتحدة والمجتمع الدولی إلى تحمل حصة عادلة من المسؤولیة عن اللاجئین العالقین عند الساتر الترابی.

ومضت تیرانا حسن إلى القول: "ما من شک فی أن الأمن أمر مهم، ولکن ینبغی لحمایة الناس فی الأردن أن لا تأتی على حساب تقدیم المعونات الإنسانیة وتوفیر الحمایة لمن هم بأمس الحاجة إلیها".

ودأب الأردن على الترحیب باللاجئین من سوریا عبر الحدود فیما سبق، وعلى القیام بعملیات فحص وتدقیق وتسجیل لهم قبل سماحه لهم بدخول البلاد. ویمکن للسلطات استخدام هذه العملیات مجدداً لفتح أبوابها للاجئین الفارین من سوریا، مع ضمان الأمن فی الوقت نفسه.

وفی الوقت الراهن، تناقش الأمم المتحدة مع السلطات الأردنیة خططاً لنقل نقاط توزیع المساعدات الإنسانیة لمسافة کیلومترین داخل "المنطقة الحرام"، بعیداً عن الحدود الأردنیة، وإیجاد منطقة عازلة تسمح باستئناف العملیات الإنسانیة.

وقالت تیرانا حسن: "سواء أجرى توزیع المعونات عند حافة الساتر الترابی، أم على بعد کیلومرتین، فإن هذا لن یغیر شیئاً من حقیقة أن هناک عشرات الآلاف من الأشخاص الذین ینشدون الحمایة الدولیة على أعتاب الأردن، ولا یعفی السلطات من التزامها بتوفیر ملاذ آمن لمن یفرون من أتون النزاع ومن الاضطهاد.

"وسواء أتم إجبار اللاجئین، بصورة مباشرة أو غیر مباشرة، على العودة إلى سوریا، برفض دخولهم وفرض ظروف معیشیة لا تحتمل علیهم، فإن هذا یشکل انتهاکاً فاضحاً لالتزامات الأردن الدولیة. ویتعین على السلطات السماح للمساعدات الإنسانیة بالوصول إلى اللاجئین المحاصرین دون عراقیل. کما ینبغی رفض أیة محاولة لإکراههم على الانتقال من مکانهم أو لطلب ذلک منهم."

بید أن أی حل طویل الأجل للأزمة یجب أن یکون عالمیاً. فعلى المستوى الدولی، ما برحت الأماکن المخصصة لإعادة توطین اللاجئین من سوریا غیر کافیة على نحو مثیر للأسى. وما زالت دول الإقلیم تتحمل وطأة أزمة اللاجئین، حیث استقبلت ثلاث بلدان منها فقط ما یزید على أربعة ملایین لاجئ.

واختتمت تیرانا حسن بالقول: "ما لم تقر القمتان المقبلتان للاجئین التزامات حقیقیة بزیادة فرص إعادة التوطین بشکل جدی، وتتبع ذلک بتدابیر ملموسة للتنفیذ، فستظلان مجرد تحرک رمزی واستعراضی لا أکثر.

"ومن شأن التقاعس عن تقدیم حل طویل الأجل لمشکلة اللاجئین العالقین عند الساتر الترابی أن یشیر لیس فحسب إلى تخلی العالم عن هؤلاء الناس، وإنما أیضاً إلى خذلانه للاجئین فی کل بقعة من بقاع العالم."