فی لبنان.. إدخال التلامیذ السوریین المدارس مهمة صعبة
فی لبنان.. إدخال التلامیذ السوریین المدارس مهمة...
لم یدخل عبد الرحمن (12 عاماً) فصلاً دراسیاً منذ ثلاث سنوات. وبدلاً من الذهاب إلى المدرسة یعمل فی متجر تحت بیته من الساعة السابعة صباحاً حتى التاسعة مساء بتعبئة الفواکه والخضروات لإعالة أسرته.
تعتمد الأسرة منذ فرارها من سوریا فی 2014 على الأجر الذی یتقاضاه عبد الرحمن ویصل إلى 10 دولارات یومیاً، وعلى أجر شقیقه البالغ من العمر 15 عاماً، ویعمل فی مرأب، فی شراء الطعام وسداد إیجار الشقة التی تقیم فیها الأسرة، والتی تخلو تقریبا من الأثاث.
ونظراً لأنه ترک المدرسة منذ وقت طویل، وبسبب أعباء الکبار التی تثقل کاهله، لا یرى عبد الرحمن، بجسده النحیل، أی مؤشر للعودة إلى التعلیم.
وعندما سئل إن کان یرغب فی العودة إلى المدرسة ردّ عبد الرحمن بهدوء “أبی لا یجد أی عمل، لذلک أنا مضطر أن أعمل. وهذا کل ما فی الأمر”.
وعبد الرحمن وشقیقه طفلان من بین نحو ربع ملیون طفل سوری لجأوا إلى لبنان تارکین الدراسة حیث فاتتهم سنوات من التعلم الرسمی فی الأغلب.
هذه الأزمة تظهر آثار الحرب السوریة التی اندلعت قبل نحو ست سنوات، وهی آثار ستظل محسوسة لوقت طویل فی المنطقة التی غاب فیها مئات الآلاف من الأطفال عن مقاعد الدراسة. ویواجه هؤلاء الأطفال العیش کجیل ضائع معرض للانتهاک من جانب مهربی البشر والساعین لتجنیدهم لحساب الجماعات المتطرفة.
وتدرک الدول الغربیة ووزارة التربیة والتعلیم اللبنانیة حجم وخطورة الموضوع.
لکن حملة طموحة لتوفیر التعلیم لجمیع الأطفال السوریین وأطفال الفقراء اللبنانیین یبلغ تمویلها عشرات الملایین من الدولارات سنویاً، یأتی معظمها من دول الاتحاد الأوروبی والأمم المتحدة، لا تفی حتى بمتطلبات القید لفترة مؤقتة.
طرحت أسر أجرت “رویترز″ مقابلات مع أفرادها فی مناطق مختلفة من لبنان سلسلة من المعوقات أمام إدخال أطفالها المدارس منها الفقر والاعتماد على عمل الأطفال وکذلک القیود المفروضة من الحکومة اللبنانیة على تنقلات السوریین، وأیضاً المدارس العامة التی تطرد التلامیذ السوریین المقیدین فیها مع بدایة کل عام دراسی.
وتؤکد منظمات إغاثة وجماعات حقوقیة وجود هذه العراقیل وتقول إنها ممارسات قدیمة للحکومة اللبنانیة تجاه اللاجئین وغیرهم ممن لا یخضعون لسلطتها.
عراقیل ضخمة
فی العام الماضی أطلق لبنان، الذی یستضیف أکثر من ملیون لاجیء سوری، بینهم نحو نصف ملیون طفل، حملة لقید 200 ألف تلمیذ فی المدارس العامة من خلال فصول دراسیة مسائیة ضمن “دورة ثانیة” للمدارس خصصت للسوریین وحدهم.
وأشاد المجتمع الدولی بوجه عام بجهود هذه الدولة الصغیرة فی مواجهة الأزمة السوریة، وکرر التزامه بمساعدتها على مواجهة تدفق اللاجئین.
وطبقاً لتقریر سنوی للأمم المتحدة عن المساعدات وأرقام من وکالة اللاجئین التابعة للمنظمة الدولیة، قدم مانحون 267 ملیون دولار فی 2015 بینها تمویل لحملة التعلیم و207 ملایین أخرى هذا العام مما جعل التعلیم واحداً من أفضل القطاعات تمویلاً فی لبنان.
وتشیر تقدیرات الحکومة والمنظمات الخیریة إلى أن عشرات الآلاف من الأماکن لم تجد من یشغلها مع قید ما لا یزید عن 159 ألف سوری فی المدارس العامة.
وترک عدد غیر معلوم من هؤلاء الدراسة. وذکرت منظمة “هیومن رایتس ووتش” فی بیان حدیث أن من بین السوریین الذین تتراوح أعمارهم بین 15 و 17 عاماً هناک 95 فی المئة غیر مقیدین فی مدارس.
وأبلغ بسام الخواجة الذی یعمل بالمنظمة الحقوقیة ومقرها نیویورک “رویترز″ أن خطة إلحاق الأطفال السوریین بالمدارس العام الماضی لم تکن فعالة فی بعض المناطق: فالعدید من الأماکن المخصصة للسوریین کانت فی مدارس بعیدة عن مکان إقامة معظم اللاجئین، وهو ما یعنی أن ما لا یقل عن 40 ألف مقعد ظل شاغراً.
ومن ناحیة أخرى قال إن بعض المدارس کانت “تخالف سیاسة وزارة (التعلیم) بطلب وثائق إضافیة” مثل تصاریح الإقامة.
ویتعین على اللاجئین دفع 200 دولار سنویاً للحصول على الإقامة القانونیة. ومعظم السوریین الذین یعیش 70 فی المئة منهم فی فقر وضعهم غیر قانونی لعدم استطاعتهم تحمل هذه الرسوم.
وعلقت وزارة التعلیم شروط الإقامة لدخول المدارس العامة، لکن الأسر قالت إن بعض المدارس طلبت الإقامة وبطاقات الهویة ووثائق أخرى لم تکن لدیهم.
کما تعنی قوانین الإقامة أن العدید من الآباء لا یترکون المنزل للبحث عن عمل خشیة إلقاء القبض علیهم عند نقاط تفتیش الجیش ویعتمدون على أطفالهم فی الحصول على دخل.
وتعیش أسرة عبد الرحمن على نحو 750 دولاراً فی الشهر إذا عمل کلا الطفلین. ویذهب 500 دولار من هذا المبلغ لإیجار السکن أما البقیة فتترک لإطعام خمسة أشخاص.
وقال والده فیصل بینما کان یجلس على أرضیة غرفة معیشتهم الخاویة “ندبر أمورنا بشق الأنفس″. ویقول المزارع السابق الذی یبلغ من العمر 53 عاماً، ویعانی من إصابة فی ذراعه، إنه یسعى للحصول على عمل یدوی محلی لکن دون جدوى.
وتشمل الصعوبات الأخرى تکالیف وسائل النقل -فقد قالت إحدى الأسر أنها اضطرت للاختیار بین أی من طفلیها الاثنین لإرساله إلى المدرسة، لأنها تتکلف 30 دولاراً شهریاً للحافلة- فضلاً عن حواجز اللغة، حیث تستخدم المناهج اللبنانیة الإنجلیزیة والفرنسیة.
وقالت وزارة التعلیم إنها تعمل لضمان تنفیذ مزید من المدارس سیاسة الحکومة فی السماح بالتحاق السوریین بها.
سد الفجوة
أشارت تقاریر الأمم المتحدة إلى أن منظومة المدارس العامة فی لبنان کانت تعمل فوق طاقتها حتى قبل الصراع السوری، وکانت تقدم الخدمة لنحو 30 فی المئة فقط من التلامیذ اللبنانیین، مما یثیر التساؤلات بشأن قدرتها على استیعاب عدد کبیر آخر من الأطفال.
وطلبت المنظمات الخیریة بصورة شخصیة أن تکون أکثر انخراطاً فی جهود تعلیم اللاجئین الذین یظلون خارج المدارس العامة من خلال ترتیبات، من بینها برامج یمکن أن تُبقی الأطفال یتعلمون لکن من دون منحهم مؤهلات رسمیة، وتستخدم فی ذلک أحیاناً فصولاً دراسیة مقامة فی الخیام.
وقالت “هیومن رایتس ووتش” إن لبنان عرقل العام الماضی بعض هذه الجهود بأن طلب مما لا یقل عن منظمة واحدة أن تغلق مدارسها غیر الرسمیة إضافة إلى طلبات أخرى.
کما یسد اللاجئون السوریون أنفسهم الفجوة إذ ینشئون مدارس مؤقتة ویتطوعون کمعلمین لکن من دون موافقة حکومیة.
وذکر العاملون فی واحدة من مثل هذه المدارس خارج بیروت أن الحکومة حاولت إغلاقها لکن مجلس البلدیة المحلی تفاوض لإبقائها مفتوحة شریطة أن تدرس المناهج اللبنانیة.
وقالت وزارة التعلیم إنها سمحت فی الآونة الأخیرة لعشرات المنظمات الخیریة أن تدیر برامج تعلیمیة. وقالت منظمة الأمم المتحدة للطفولة إن خطة مولتها الأمم المتحدة وفرت التعلیم لنحو 18 ألف طفل العام الماضی.
کما دفع حجم المشکلة القطاع الخاص إلى الخروج بمبادرات جدیدة.
فمشروع دشنته مؤسسة کلونی للعدالة، ویلقى دعماً من جوجل وفیرجین، یستهدف إلحاق ما یصل إلى عشرة آلاف طفل بالدراسة العام المقبل فی مدارس تدیرها (سابیس)، وهی شرکة دولیة تعد الطلاب لاختبارات الجامعة والمدارس العلیا.
وقال کارل بستانی، الرئیس التنفیذی لسابیس “إنه تحد ضخم… (لکن) نحن فی وضع جید یمکننا من تعلیم 200 ألف طفل”، مشیراً إلى أن المدارس ستقام فی مناطق معظمها مکتظ باللاجئین.
لکن ضمان حصول جمیع السوریین على التعلیم لا یزال مهمة شبه مستحیلة.
وقالت نیامه مورنجان مدیرة إدارة لبنان بالمرکز النرویجی للاجئین “ونحن فی بدایة العام الدراسی 2016 لسنا فی وضع یمکننا من تأمین التعلیم لجمیع الأطفال السوریین حتى لو حشدنا جمیع مواردنا وقدراتنا”.
وخارج بیروت یجلس محمد، وهو طفل آخر عمره 12 عاماً، فی منزله طوال الیوم انتظاراً لمعرفة ما إذا کان سیحصل على مکان فی المدرسة المحلیة. ومع بدایة الفصل الدراسی فإن الوقت ینفد.
مصدر:قدس العربی