تهریب البشر فی الازمات العالمیة

لقد لعبت الازمات العالمیة المتفاقمة کالحروب و الارهاب والنزوح واللجوء فی الاعوام الاخیرة دوراً سلبیاً مباشراً فی تشدید ظاهرة تهریب البشر والاتجار بهم. وقد قامت منظمة الامم المتحدة بتعریف هذه الظاهرة علی إنها جریمه تستهدف النساء والأطفال والرجال لأغراض متباینه کالعمل القسری والاستغلال الجنسی.
ووفق تقاریر منظمة الهجرة العالمیة، فأن ضحایا هذه الظاهرة المشئومة یصل الی 7000 شخص، 45% منهم نساء و 13% منهم اطفال.
بالرغم من أنّ الکثیر من ذوی الرأی یعتبرون تهریب البشر، ظاهره ترتبط بنوع جنس البشر ولکن ابحاث المنظمة العالمیة للهجرة تشیر الی أنّ الرجال معرّضون لأخطار التهریب بنفس النسبة التی تهدد النساء. ففی اغلب حالات التهریب یتم اجبار الرجال علی العمل القسری و بدون مقابل ویسومونهم الأذی والقسوة.
تشیرأحصائیات منظمة العمل الدولیة الی أنّ ضحایا العمل القسری فی العالم یبلغ 21 ملیون شخص. و تقلیدیاً تعتبر بلدان جنوب شرق آسیا مرتعاً خصباً للمتاجرة بالبشر و کانت اغلب عملیات تهریب البشر والمتاجرة بهم تتم فی هذه المنطقة الجغرافیة ولایخفی أن هذا العدد یشمل کذلک ضحایا التهریب والمتاجرة بالبشر لاغراض الاستغلال الجنسی.
لقد حصل مهرّبو البشر والمتاجرین بهم علی عوائد جمّه من الهجرات الملیونیة للنازحین عبر البرّ والبحر مما اثار قلق منظمات حقوق الانسان من احتمال تزاید اعداد الضحایا وارتفاع الاحصائیات المرتبطة بها.
وقد اشیر بالتفصیل الی اتساع نطاق ازمة تهریب البشر بالتفصیل فی التقریر الاخیر لمجلس حقوق الانسان.

تقریر الاخیر لمجلس حقوق الانسان

و یؤکد مقرر مجلس حقوق الإنسان فی تقریره الأخیر حول حالة تهریب البشر، بأنّ الأزمات والحروب لا تعتبر بحد ذاتها عاملاً لأستمرار ظاهرة تهریب البشر وإنّما تؤثر الصراعات و النزاعات تأثیراً مباشراً علی تنامی الهجرة وما یترتب علیها من عواقب ونتائج ومنها تهریب البشر والمتاجرة بهم.
ولایخفی أنّ افظع مظاهر تهریب البشر تتجلّی خلال الصراعات والازمات وخاصةً فی المجالات التالیة:
1- تهریب النّساء والفتیات لأغراض الإستغلال الجنسی.
و من حالات الاستغلال الجنسی خلال عملیة تهریب البشر:
العبودیة الجنسیة والزواج القسری والإکراه علی البغاء والحمل الاجباری.
العبودیة الجنسیة: وتعنی العنف الجنسی الذی یستهدف المدنیین بلا مدافع خلال الحروب والصراعات ( واوضح مثال علی هذا الاستغلال ما اقدمت علیه المجامیع الإرهابیة فی الأعوام الأخیرة. فهذه المجامیع کداعش وبوکو حرام تمارس الإستغلال الجنسی والعبودیة الجنسیة کأداة لفرض سیطرتها ونشر الرعب والخوف والأدهی من ذلک ممارستها کعنصر اساسی لترغیب وتشجیع مقاتلیها علی القتال فی حروبها.
ویتطرّق مقرر مجلس حقوق الإنسان الی احوال النساء الأسیرات لدی بوکو حرام والإیزیدیات فی اسر داعش و یصفها بأنها تتعدی نطاق حقوق الانسان الی مجال الجرائم ضد الانسانیة.
الزواج القسری والحمل الاجباری: تبرز هذه الظاهرة فی انماط التعامل العائلی والقبلی مع ظاهرة الزواج القسری خاصةً فیما یتعلق بأوساط الأطفال. و تنتشر ظاهرة الزواج القسری فی اوساط النازحین السوریین حیث یزوّجون بناتهم لقاء مبلغ من المال یدفع الی والدی الفتاة.
البغاء القسری: ففی هذه الحالة تتزوج المرأة من رجل اجنبی یجبرها لاحقاً علی ممارسة البغاء وتعتبر هذه الظاهرة احدی العواقب البشعة للحروب والهجرة والتی یعانی منها المهاجرون واللاجئون. ففی الأعوام الأخیرة الماضیة أصبح الآلاف منهم فی عداد المفقودین وذلک خلال هجرتهم من دول القرن الأفریقی الی اوروبا عبر لیبیا وکان الکثیرین منهم ضحایا الاستغلال الجنسی من قبل مهربی البشر.
2- تهریب الاطفال لمقاصد عسکریه: فی هذا النمط من الاستغلال، یتعرض الاطفال من المقاتلین و الحماة وعادةً فدائیین الی مختلف انواع الاستغلال. وغالباً مایتم خطفهم و ابعادهم عن عوائلهم لإستغلالهم فی الحروب. فبالإضافة الی استغلالهم فی الکثیر من الاحیان فی حمل وارتداء الاحزمة الناسفة او صنع القنابل و المتفجرات، فهم یتعرضون کذلک الی الاعتداءات الجنسیة.
امّا الفتیات فیتم استغلالهن کخادمات للعمل فی البیوت اولأغراض العبودیة الجنسیة و یتعرضن للکثیر من المخاطر.
3- تهریب البشر فی ظروف ما بعد الحرب:
فی اجواء ما بعد الحروب تعانی اغلب المجتمعات من ظاهرة تهریب البشر لاستغلالهم فی العمل القسری أوالممارسات الجنسیة. امّا اصناف العنف الذی عادةً ما یکون ذا طابع جنسی فیستهدف النساء والاطفال اوّلاً .
4-اسالیب اخری لتهریب البشر خلال الأزمات الناجمة عن الصراعات:
عملیات حفظ السلام و تهریب البشر
تشیر التقاریر الصادرة من مقرر مجلس حقوق الانسان الی أن قوّات حفظ السلام التابعة لمنظمة الامم المتحدة والمتواجدة فی دول تعانی من الازمات کسیرالیون وکوزوفو وهاییتی کانت لهم ممارسات لا إنسانیه ویتحملون جانباً کبیراً من مسئولیة تهریب و استغلال البشر.
تهریب البشر والمتاجرة بأعضاء جسم الانسان
تمهد المناطق الواقعة تحت نیر الحروب الارضیة المناسبة لنشاط المتاجرین بأعضاء جسم الإنسان علی نطاق واسع وهنالک ادلّه علی أن هؤلاء المهربین والمتاجرین ینشطون کثیراً فی مجال نقل أعضاء الجسم البشری من السودان الی مصر وتعتبر المتاجرة بأعضاء اجساد المعارضین تجاره رائجه فی اوساط المجامیع الأرهابیة کداعش وبوکو حرام للحصول علی عوائد مادیّه.
تهریب العمّال المهاجرین الی مناطق الصراع:
إنّ قضیّة تهریب العمّال الی مناطق النّزاعات والحروب لازالت مخفیّه الی حدّما وتتم وفق عقود عمل فی الباطن.
تقوم المجامیع المتناحرة بإستغلال سکان المناطق الواقعة تحت نیر الحروب والاستفادة فی اعمال غیر قتالیه کالطبخ والعمالة المنزلیة والاعمال الانشائیة و..... الخ امّا النّساء والفتیات فیتعرضن لمخاطر مضاعفه .
الهجرة والتهریب
إنّ ماهیة وطبیعة الهجرة بحد ذاتها تساعد علی تفشی ظاهرة التهریب. فاللاجئون والنازحون یشکّلون خلال اقامتهم الموقّتة فی الدول المضیّفة أهدافاً سهلة المنال للمهربین. لأنّ تلک الفئات لا تتمتع بالحمایة والرعایة اللازمة فی الدول المضیّفة وخاصةً التی لم تلتحق منها بمعاهدة جنیف الدولیة ولذلک فهم یصبحون بلا ملجأ أو حمایه امام نشاطات المتاجرین بالبشر وأوضح مثال علی ذلک، مسلمی الروهینجیا فی بورما (میانمار). فهجرتهم القسریة الی تایلاند بواسطة زوارق صید الاسماک انتهت بإستعبادهم فیها و خلق تراجیدیا واسعة النطاق لأن المهرّبین یستعبدونهم ویستغلونهم تعویضاً عن اجور نقلهم بواسطة تلک الزوارق فی حین تتخاذل الحکومة التایلندیة التی لم توقّع علی معاهدة جنیف عن حمایتهم.
وختاماً
إنّ تهریب البشر بکافة اشکاله یهدد الهویة الانسانیة وینتهک حقوق الانسان. فتشیید السیاج واصدار قوانین صارمه للحدّ من الهجرة واظهار اللامبالاة فی الأزمات الانسانیة لا تکفی للحیلولة دون تنامی هذه الظاهرة المشئومة.
*لذا وبناءاً علی مسئولیة الحکومات تجاه قضیّة حقوق الانسان فی اطار التزاماتها بأهداف التنمیة المستدامة، یطالب المجتمع الدولی بتفعیل المشارکة فی هذا المجال والذی لن یتحقق الّا بشمول کافة الفئات المستهدفة بالحمایة الشاملة وعدم تجریم المهاجرین والنازحین وباقی الفئات المتضررة، من قبل الحکوماتاذ إنّ استمرار حالة اللامبالاة فی هذا المجال فی المنظور القریب سیجلب الکثیر من الویلات للبشریة.
*إنّ الحدّ من ظاهرة تهریب البشر فی کافة ابعادها یتطلب تعاوناً وثیقاً وتعاملاً مستمراً بین منظمة الامم المتحدة ومنظمات حقوق الانسان وسائر الحکومات.
*إنّ العمل علی تحدید المناطق المتأزّمة وترسیخ السلم العالمی من خلال اتّباع آلیه مبرمجه مسبقاً سیؤدی الی خلاص الآلاف من ابناء البشر المهددین من تلک المخاطر.
*یجب اعطاء اولویة خاصه للعنایة بحقوق الاطفال فی القضایا الانسانیة.

المصدر:
http://www.ohchr.org/EN/NewsEvents/Pages/DisplayNews.aspx?NewsID=20235&LangID=E#sthash.3xnbiPPb.dpuf
https://www.iom.int/