خرائط غوغل وجدلیّة الدولة الفلسطینیّة
خرائط غوغل وجدلیّة الدولة الفلسطینیّة
انتشر خبر حذف إسم «فلسطین» من خرائط «غوغل» فی مواقع شبکات التواصل الإجتماعیّة فی عالمنا العربی کالنار فی الهشیم وأثار استیاءً واسعاً، بعد أن تم وضع اسم «إسرائیل» على کامل خریطة فلسطین دون أی إشارة إلى الوطن المحتل أو الضفة الغربیّة أو على الأقل أراضی السلطة الفلسطینیّة.
وتم تداول هاشتاغ بعنوان «القدس عاصمة فلسطین» للتندید بما حصل، ومحاولة الضغط على الشرکة لإعادة الإسم والإشارة الى دولة فلسطین، وکان من الطبیعی إنطلاق شرارة الحدیث عن المؤامرة الصهیونیّة العالمیّة وتواطؤ «غوغل» معها.
وصلنی الخبر قبل عدّة أیام على إیمیلی الشخصی مع دعوة للمشارکة فی نشر الهاشتاغ وتعمیم الخبر، وکی أکون صادقاً معکم فقد عزمت على مشارکة الخبر ثم تردّدت لوهلة، ثم لم ألبث أن تراجعت، ولم أبدِ أی رغبة فی مشارکة الهاشتاغ ونقل الخبر، رغم کل الإخلاص الذی أحمله فی داخلی لوطنی الأصلی الذی حُرمت منه، وهاجرت عائلتی منه قسراً، إلاّ أن الموضوع بالنسبة لی قد أخذ بعداً آخر قد یکون أقرب إلى النظرة الفلسفیة للأمور، سأطلعکم علیه عبر السطور التالیة. وبعد عدّة أیام تردّد الخبر فی وسائل الإعلام وأخذ بعداً إضافیاً، تمثل فی الدعوة لمقاطعة شرکة «غوغل» عبر هاشتاغ «مقاطعة غوغل». قمت بالدخول على موقع الخرائط الخاص بمحرّک البحث «غوغل» وبحثت عن «فلسطین» بالعربیة ثم “Palestine” وظهرت لی صورة خریطة فلسطین تحمل اسم «Israel» مع وصف مختصر لدولة فلسطین ورئیسها الحالی محمود عبّاس ورئیس وزرائها رامی الحمدلله مع صورة للمسجد الأقصى، أی أن الشیء الوحید الذی تغیر هو عدم ظهور اسم فلسطین على الخریطة.
بعیداً عن الغصّة التی أحدثها هذا الخبر وعن الوجع العاطفی للفلسطینیین والعرب عموماً، فإنی لا أرى أی حجة منطقیّة أو قانونیّة تفرض على شرکة «غوغل» وضع اسم فلسطین على خرائطها. إذا کانت الأمم المتحدة نفسها لم تصبغ على السلطة الفلسطینیة صفة الدولة المستقلة ولا توجد الى الآن أی أتفاقیة دولیة تشیر الى الدولة الفلسطینیة وحدودها، باستثناء الشکل الهزلی لسلطة الحکم الذاتی الحالیّة، فیما تحظى دولة الإحتلال بإعتراف دولی بل وعربی عبر اتفاقیات دولیة موثقة فی الأمم المتحدة مع خلاف بسیط حول حدودها التی تنکمش وتتوسع تبعاً للمزاج الصهیونی والضعف العربی. فبأی حق نطالب بوضع اسم فلسطین على خریطة سُلبت منا کما سُلب منا الوطن نفسه ؟!
فی الحقیقة مشکلتنا لیست مع «غوغل» بل مع الکیان السرطانی الذی طفح على السطح فجأة وصبغ وطننا الأخضر بلونه الأزرق الشاحب. مشکلتنا مع أنظمتنا العربیة التی سمحت لهذا الکیان بالتمدّد ثم هادنته وصالحته. مشکلتنا الحقیقیة هی عجزنا عن الدفاع عن قضیتنا الأساسیّة وعن حقنا الواضح وضوح الشمس. «غوغل» لم تفعل شیئاً سوى أن عکست عجزنا فی مرایانا وکشفت عن سوءاتنا.
فی روایته القصیرة «عائد إلى حیفا» یتحدث غسان کنفانی الأدیب الفلسطینی المعروف عبر احدى الشخصیات عن أحد الفلسطینیین الذین أُجبروا على مغادرة وطنهم وتم مصادرة کافة ممتلکاتهم لصالح الوکالة الصهیونیّة ومن ثم إلى المهاجرین الیهود الذین جاؤوا لتحقیق «نبوءة الرب» فی نیل الأرض الموعودة، إلا أن الحنین یقود هذا الفلسطینی للعودة إلى قریته کی یتفقّد بیت العائلة، زائراً أقرب ما یکون الى السائح الذی یدفع المال کی یشاهد ماضیه ثم لا یلبث الماضی أن یلفظ صاحبه، یدق باب البیت متوقعاً أن یخوض حرباً جدالیّةً طویلةً مع المالک الیهودی الجدید ولکنه یتفاجأ أن الذی یسکن بیته هو فلسطینی آخر غلبانٌ مثله، استأجر البیت من مالکه الیهودی ولکنه أبقى البیت على ما هو علیه، بأثاثه وطلاء جدرانه حتى أنه أبقى الصور المعلقة على جدرانه، فکان أن طلب صاحب البیت الأصلی أن یأخذ معه صورةٌ معلّقةً على الحائط تعود لأخیه الشهید، ویأخذها بالفعل ولکنه لا یجد لها مکاناً ملائماً فی بیته الجدید ولا یستطیع النوم تلک اللیلة لشعوره أن الصورة ما کان لها أن تغادر بیت العائلة، وما ان تشق خیوط الشمس طریقها نحو العیون الناعسة حتى یسارع بالعودة الى منزله القدیم ویقول للمستأجر لقد أخطأتُ بسؤالک اللوحة، فمکانها هنا، یرد علیه وانا أخطأتُ بإعطائک إیاها، هذه الصورة ثمنها بندقیة ! والوسیلة الوحیدة لإستعادتها هی الحرب والمقاومة ولیس السؤال !
إذا أردنا وضع إسم فلسطین على خرائط «غوغل» فلنصنع هذا الإسم ونحفره على أرض الوطن أولاً، فلندع خلافاتنا الحزبیّة جانباً ونحقق الشعارات التی تربینا علیها (فلسطین من البحر الى النهر)، (الخط الأحمر الوحید أنه لیس من حق أحد أن یوقع وثیقة استسلام وتنازل لإسرائیل). لماذا رضینا بکانتونات ممزقة ووطناً مبعثراً لا یشبه الوطن فی شیء، ثم أخذتنا العزّة لأننا نسینا أن نمحو اسم إسرائیل عنه !
٭ کاتب ومُدوّن من الأردن