العنف فی الکونغو (زائیر)
العنف فی الکونغو (زائیر)
أصدر المفوض السامی لحقوق الإنسان تحذیرا قویا بشأن تدهور الأوضاع فی جمهوریة الکونغو الدیمقراطیة، وشدد على ضرورة ضمان المساءلة فی مقتل عشرات المدنیین وغیر ذلک من انتهاکات حقوق الإنسان التی وقعت أثناء اندلاع أعمال العنف فی وقت سابق من هذا الأسبوع، کجزء من الجهود الرامیة إلى تفادی وقوع أزمة کبرى.
وقال زید "إننی أشعر بحزن عمیق جراء تفجر العنف مؤخرا فی العاصمة کینشاسا. ارتفاع عدد الضحایا المدنیین، وحرق مقار عدد من الأحزاب السیاسیة واستمرار حدة التوتر، هو تحذیر صارخ بأن أزمة واسعة النطاق قد تکون قاب قوسین أو أدنى." وشدد على أهمیة تراجع السلطات عن موقفها التصادمی بشکل مفرط، وضرورة بناء الجسور مع المعارضة.
وقتل ما لا یقل عن 50 شخصا، من بینهم أربعة من ضباط الشرطة، خلال اشتباکات وأعمال عنف فی العاصمة کینشاسا یومی 19 و 20 من أیلول سبتمبر، وأصیب 77 آخرون على الأقل، حسبما أوردت التقاریر.
فی بعض الحالات رجالا یرتدون الزی العسکری اشترکوا مباشرة فی بعض الهجمات ضد مقرات الأحزاب الستة المعارضة، بما فی ذلک، حزب الاتحاد من أجل الدیمقراطیة والتقدم الاجتماعی. هذا اعتداء واضح ضد الدیمقراطیة وحقوق الإنسان الأساسیة.
کما أشار زید إلى تلقیه تقاریر تفید بأن الحرس الجمهوری، وجهاز المخابرات والشرطة الوطنیة الکونغولیة قاموا بمداهمة وتفتیش المساکن فی بعض أجزاء من العاصمة، ومنع المدنیین من مغادرة منازلهم لعدة ساعات. وأعرب عن قلق خاص إزاء مزاعم الاعتقالات التعسفیة من قبل الشرطة فی کینشاسا ومناطق أخرى، بما فی ذلک الصحفیون الذین حاولوا تغطیة المظاهرات فی العاصمة یوم 19 أیلول سبتمبر. ووفقا للتقاریر، تم اعتقال نحو 300 شخص منذ یوم الاثنین.
کما أدان المفوض السامی بشدة الهجمات من قبل مجهولین على مقر الحزب الحاکم، ومحکمة، ومدرسة والعدید من المبانی الحکومیة، بما فی ذلک مراکز الشرطة، وکذلک أعمال إجرامیة أخرى، مثل السلب والنهب وتدمیر الممتلکات الخاصة. وأکد أن التحقیق ینبغی أن یسعى أیضا إلى تحدید الأشخاص المسؤولین عن هذه الهجمات وضمان محاسبتهم، بما یتفق تماما مع القانون.
العنف المستمر فی ذاکرة سکان الکنغو
ینحدر سکان الکونغو الدیمقراطیة من شعوب البانتو Bantou التی قطنت فی الهضاب المطلة على مجرى نهری النیجر وبنویه.
لم تکن الکونغو کغیرها من المناطق الإفریقیة معروفة لدى الأوروبیین، وکان الملاح البرتغالی دیغو Diego Cao أول أوروبی یلتقی بسکان الکونغو، إذ التقى بملک الکونغو أنطونیو الأول سنة 1487 لتقوم بعد ذلک علاقات رسمیة مع البرتغال. ودخلت الإرسالیات المسیحیة البرتغالیة لتبشر فی الکونغو.
أدرک ملک الکونغو حجم الخطر الذی بدأ یشکله الوجود البرتغالی فی بلاده خاصة مع زیادة تجارة العبید من أفریقیا إلى أمیرکا وأوروبا فرفض تجدید امتیاز استثمار المناجم للبرتغال، مما أدى به إلى الموت فی معرکة أمبیلا أمام الجیش البرتغالی سنة 1665.
الاستعمار البلجیکی
بدأ الأوروبیون استثمار موارد الکونغو بشکل کبیر أواسط القرن التاسع عشر. ففی تلک الفترة جاء إلى الکونغو الإنکلیزی هنری مورتون ستانلی الذی استطاع أن یطوف مناطق الکونغو، ومن رحلته استطاع أن یتعرف على الثروات الکبیرة التی تمتلکها البلاد مما دفعه إلى حث الحکومة البریطانیة على الإسراع فی استغلال ثروات الکونغو، غیر أنه لم یلق تجاوباً من الحکومة البریطانیة.
وجه ستانلی دعوته بعد ذلک إلى ملک بلجیکا لیوبولد الثانی الذی عین ستانلی رئیساً لشرکة الکونغو الدولیة التی تأسست سنة 1879.
تمکن ستانلی من التوقیع على المئات من المعاهدات مع الزعماء المحلیین لصالح شرکة الکونغو الدولیة، کما تمکن الملک البلجیکی لیوبولد من الحصول على اعتراف من زعماء أوروبا بحقه الشخصی فی ملکیة الکونغو سنة 1885 فی العاصمة الألمانیة برلین.
استمر ملک بلجیکا لیوبولد یستثمر موارد الکونغو لحسابه الخاص مدة زادت عن العشرین عاما، مما أدى إلى استنزاف المیزانیة والموارد البشریة البلجیکیة.
بدأ الرفض الشعبی البلجیکی لتصرفات الملک، وازداد الرفض بعد ظهور الأطماع الإنجلیزیة والأمیرکیة فی المستعمرة البلجیکیة، وهو ما قاد البرلمان البلجیکی إلى نزع الخصوصیة الشخصیة التی کان یتعامل بها الملک مع المستعمرة سنة 1908، لتعرف بعد ذلک باسم الکونغو البلجیکی.
استمرت بلجیکا تستغل الثروات الطبیعیة فی الکونغو لما یقرب من ستة عقود، ولم ینخفض معدل الاستغلال إلا إبان الکساد الاقتصادی العالمی ما بین 1929 - 1933.
ورغم الإدراة غیر المباشرة للبلجیکیین على الکونغو، فقد توافد البلجیکیون على الکونغو للعمل فی الإدارات الحکومیة حتى وصل عدد البلجیکیین الذین یشغلون الوظائف العامة قرابة 10 آلاف بلجیکی و7 آلاف رجل دین مسیحی أوروبی. وبلغ تعداد الأوروبیین المقیمین فی الکونغو سنة 1960 حوالی 100 ألف شخص.
بلغ عدد الید العاملة المحلیة الکونغولیة 500 ألف فی الثلاثینیات، وملیون عامل سنة 1950، غیر أن العمال لم یشارکوا بشکل ملحوظ فی معارک الاستقلال لما امتازوا به من وظائف وسکن وإقامة فی المدن.
السعی نحو الاستقتلال
عرفت الشعوب الکونغولیة برفضها للاستعمار الأوروبی. وقد أشعل هذه النزعة للتحرر الداعیة الکونغولی فرنسیسکو کسولا إذ نادى بعد ادعائه النبوة إلى وجوب طرد المبشرین الأوروبیین وحراسة الثقافة الأفریقیة.
کما أعلنت دونا بیاتریس نبوتها هی الأخرى وأنها مرسلة لإنقاذ مملکة الباکنغو من الاستعمار الأوروبی، إلا أنها أحرقت على أیدی المستعمرین البلجیکیین سنة 1796.
استمرت دعوات التحرر ذات الصبغة الدینیة فی الظهور رغم محاولات الردع الشدیدة التی قابل بها البلجیکیون . ومن أهم الشخصیات الثائرة سیمون کیمنغو الذی ادعى فی الفترة ما بین الحربین العالمیتین زیارة الله له وأنه مأمور بالتبشیر بالمساواة بین الناس وإنقاذ العرق الأسود، وأسس حرکة الکاکیة Le Kakisme فاعتقل سنة 1921 لیموت بعد ذلک سجیناً سنة 1951.
استمرت دعوة سیمون کیمنغو بعد اعتقاله فی الانتشار على أیدی أتباعه الذین کان لهم دور فاعل فی نشر الروح القومیة والحاجة إلى التحرر من الاستعمار الأبیض بین الکونغولیین.
زادت الروح القومیة وانخرط الکونغولیون بمختلف طبقاتهم الاجتماعیة والمهنیة فی حرکة المطالبة بالتحرر من الاستعمار البلجیکی ونیل الاستقلال والإمساک بزمام الإدراة بالبلاد. وبلغت المطالب الوطنیة مداها ما بین 1955 و1959 مما دفع بودوان ملک بلجیکا إلى زیارة الکونغو لأول مرة, غیر أن آمال الوطنیین فی الکونغو خابت ولم تحقق لهم الزیارة إلا زیادة التأکید على النوایا الاستعماریة لبلجیکا بعد وضوح موقفها من الخطة الثلاثینیة التی تقضی برجوع الإدارة المدنیة لشعب الکونغو تدریجیاً إلى أن یتحقق الاستقلال النهائی. ونشرت مجموعة الضمیر الإفریقی بیاناً بقیادة جوزف إیلیو والأب جوزف طالبت فیه بالاعتراف بالقومیة الإفریقیة.
منظمة أباکو
تحولت هذه الدعوات بمرور الوقت إلى مطالب سیاسیة، إذ نادت منظمة أباکو بزعامة جوزف کازافوبو برفض مثالیة مجموعة الضمیر الإفریقی، ورفضت المنظمة الخطة الثلاثینیة للتحرر التدریجی. والأباکو تنظیم قام على قاعدة قبلیة تنتمی إلى شعب الباکانغو الذی یسکن لیوبولدفیل ومناطق مصب نهر الکونغو. وقد حصل الأباکو على تمثیل واسع فی الانتخابات البلدیة سنة 1957، وهو ما دفعه إلى الإصرار على المطالبة بالاستقلال.
تحول تاریخی
أدى إعلان الجنرال الفرنسی دیغول استقلال المستعمرات الفرنسیة ومن بینها الکونغو برازافیل سنة 1954 إلى تحرک الزعماء الوطنیین فی الکونغو ورفع مذکرة تطالب بالاستقلال. وجاء مؤتمر الجامعة الأفریقیة فی نفس العام مساندا لمطالب الاستقلال إذ عاد منه لومومبا قائد الحرکة الوطنیة الکونغولیة وهو یعتبر أن استقلال الکونغو عن بلجیکا حقاً أساسیاً ولیس عطیة تجود بها الأخیرة.
اضطرابات 1959
حدثت اضطرابات عنیفة فی العاصمة الکونغولیة قتل فیها خمسون شخصاً، إضافة إلى عشرات المصابین. وترتب على هذه الاضطرابات حل حرکة الأباکو واعتقال قادتها. کما وعد ملک بلجیکا فی 13 ینایر/کانون الثانی 1959 بمنح الکونغو استقلالها.
الحرکة الوطنیة الکونغولیة
تنامى دور الحرکة الوطنیة الکونغولیة إثر توقف نشاط الأباکو. وعرفت الحرکة بحسها الوطنی الذی لا یقوم على أساس قبلی. ومن أبرز قیاداتها قبل الانقسام لومومبا، ثم ما لبثت أن انقسمت الحرکة إلى جناح یمینی وآخر یساری بقیادة لومومبا. ألقی القبض على لومومبا وسجن سنة 1959.
استمرار الاضطرابات والاستقلال
اندلعت الاضطرابات فی کل أنحاء الکونغو، واستمرت إلى نهایة سنة 1959 مما اضطر بلجیکا إلى الاجتماع فی بروکسل فی ینایر/کانون الثانی 1960 مع رموز الحرکة الوطنیة التی مثلها کل من الأباکو والحرکة الوطنیة الکونغولیة، إضافة إلى قادة الأحزاب الأخرى. وتم الاتفاق على الاستقلال یوم 30 یونیو/حزیران 1960.
صدر فی 19 مایو/أیار 1960 القانون الأساسی الذی صار دستوراً ونص على إنشاء دولة مرکزیة، لیوافق بذلک مطالب لومومبا.
عقدت انتخابات تشریعیة فی مایو/أیار من العام نفسه حصلت فیها الحرکة الوطنیة الکونغولیة على 33 مقعدا، والأباکو على 12 مقعدا من أصل 133 مقعدا. وکانت النتائج صدمة للتیار الوطنی إذ کشفت عن تیار انفصالی قوی مما دفع الأحزاب الوطنیة إلى تأسیس جبهة اتحاد وطنی. وأعلن الملک البلجیکی بودوان استقلال الکونغو فی الموعد المتفق علیه، لیصبح جوزف کازافوبو رئیساً للکونغو وباتریس لومومبا رئیساً لحکومتها.
الانفصال
استقل مویس تشومبی بدعم من بلجیکا بإقلیم کاتنغا بعد 5 أیام من إعلان الاستقلال، وعقد مع بلجیکا شراکة اقتصادیة، کما أرسلت بلجیکا قواتها لحمایة الإقلیم المنفصل. وحمل لومومبا بلجیکا مسؤولیة هذا الانفصال فقام بقطع العلاقات الدبلوماسیة معها.
لم تفد الإجراءات الداخلیة للکونغو فی الحفاظ على وحدة البلاد، فأعلنت مقاطعة کازائی بقیادة ألبیر کالونغی استقلالها عن الکونغو بعد أسبوعین من انفصال إقلیم کاتنغا. وأعلن زعیما الانفصال فی کاتنغا وکازائی عن إقامة اتحاد بین المقاطعتین، وبدآ السعی معا إلى إسقاط باتریس لومومبا بدعم من الحکومة البلجیکیة عبر شرکات المناجم البلجیکیة فی الکونغو. کما ساهمت العدید من القوى المحلیة والإقلیمیة فی دعم الانفصالیین ولم تجد نداءات لومومبا لدعم شرعیته والوقوف ضد الانفصالیین تجاوباً من الاتحاد السوفیاتی والولایات المتحدة إضافة إلى الأمم المتحدة.
الانقلاب ونهایة لومومبا
بدأت القوات الدولیة تحل مکان الجیش البلجیکی فی کاتنغا، وزاد عدد المرتزقة الذین یستعین بهم تشومبی إلى أن شکل منهم قوات الدرک الکاتنغیین. وساءت العلاقات بین کازافوبو ولومومبا إذ حمل الأول لومومبا أخطاء الجیش الوطنی الکونغولی فی کاتنغا وکازائی، إلى جانب الخلاف القدیم حول النظام الفدرالی الذی یؤیده کازافوبو.
قاد رئیس هیئة الأرکان الجنرال موبوتو سسی سیکو انقلاباً سیطر به على البلاد لمدة ثلاثة شهور، غیر أن موبوتو أعاد کازافوبو إلى منصبه، وشکل سیریل أدولا الحکومة الجدیدة.
تمکن لومومبا من الهرب إلى ستنلیفیل فی کاتنغا بعد أن قبض علیه إثر الانقلاب، غیر أن لومومبا اعتقل من جدید لینقل إلى إلیزابتفیل ویقتل فی ینایر/کانون الثانی 1961على ید تشومبی.
تصدع مبکر
دخلت البلاد حالة من الفوضى استمرت خمس سنوات وتقاسمتها ثلاث مناطق حکم یتلقى کل واحد منها دعماً من جهة معینة. فکازافوبو کان یتلقى دعمه من الأمم المتحدة والدول الغربیة، ودعمت روسیا أتباع لومومبا بزعامة أنطوان جیزینغا حیث یسیطرون على ستنلیفیل والمناطق الشرقیة. أما تشومبی فی کاتنغا فلم یکن یتلقى دعمه إلا من الشرکات الغربیة وحکومة بلجیکا.
محاولات الإصلاح وتدخل الأمم المتحدة
سعى الزعماء المحلیون التقلیدیون إلى إنهاء حالة الفوضى التی تعیشها البلاد منذ بدایة الاستقلال فعقدوا مجموعة من الاجتماعات فی ما بین ینایر/کانون الثانی ومایو/أیار من عام 1960، غیر أن اجتماعاتهم لم تسفر عن حل یذکر.
وافق الرئیس کازافوبو على أن تضع الأمم المتحدة یدها على الکونغو وفق قرار مجلس الأمن فی 21 فبرایر/شباط 1961، وبدأ داغ همرشولد الأمین العام للأمم المتحدة فی شهر یولیو/تموز 1961 فی ترتیب إدارة شؤون الجیش والمالیة. فی هذه الأثناء شکل البرلمان الکونغولی حکومة یرأسها سیریل أدولا من قیادات الجناح الیمینی فی الحرکة الوطنیة الکونغولیة، واستمرت فی إدارة البلاد حتى یونیو/حزیران 1964.
استعاد الجیش ستنلیفیل واعتقل جیزنیغا فی ینایر/کانون الثانی 1962. وبقی مویس تشومبی مستقلاً بمقاطعة کاتنغا ودخل فی مواجهات مع قوات الأمم المتحدة. وتولى الأمین العام الجدید یوثانت المفاوضات بعد مقتل همرشولد. وبعد مرور سنة من المفاوضات مع تشومبی قرر یوثانت بدعم من الولایات المتحدة أن یعید کاتنغا بالقوة فی أواخر دیسمبر/کانون الأول 1962، فسقطت کاتنغا فی 14 ینایر/کانون الثانی 1963، وغادر تشومبی إلى منفاه فی أسبانیا.
الفوضى تعم الکونغو
تدهورت الأوضاع الاقتصادیة وعمت الفوضى البلاد، وأعلن عن إضراب عام فی أکتوبر/ تشرین الأول 1963 ففرضت الحکومة حالة الطوارئ, ونزل الجیش إلى الشارع لقمع الناس، وحل البرلمان.
ظهرت انتفاضات مؤیدة لأفکار لومومبا، واتسع نطاقها لیشمل المناطق الشمالیة والشرقیة، واتخذت من کونغو برازافیل فی الغرب منطلقاً وکان یتزعمها بیار مولیلی. وانطلقت مقاومة بقیادة غاستون سومیالیو من بوروندی فی الشرق.
استقال سیریل أدولا إثر قرار الأمم المتحدة بسحب قواتها من الکونغو، إلا أنه قبل استقالته اتصل بتشومبی فی منفاه واتفقا على تولی الأخیر زمام الحکم بدلا من أدولا، فتسلم تشومبی الحکم فی أغسطس/آب 1964.
واسترد الجیش الوطنی الکونغولی ستنلیفیل بعد تدخل القوات البلجیکیة وتم القضاء على الثوار فی ینایر/کانون الثانی 1965.
لم ترض نتائج الانتخابات النیابیة التی جرت فی أبریل/نیسان 1965 تشومبی فأسس الجمعیة الوطنیة الکونغولیة، غیر أن کازافوبو أقال تشومبی من رئاسة الحکومة فی 13 أکتوبر/ تشرین الأول من العام نفسه، وفشل فی تشکیل حکومة جدیدة فتدخل قائد الجیش موبوتو فأقال کازافوبو وألزم البرلمان بانتخابه رئیساً للکونغو، وعین الکولونیل مولامبا الذی أخمد ثورة أنصار لومومبا رئیساً للوزراء.
علق موبوتو الدستور وحل البرلمان وألغى الأحزاب وقلص عدد المحافظات إلى 8 بدلاً من 21 محافظة واستعان بالجیش فی إدارة الکونغو. وأسس موبوتو "الحرکة الشعبیة للثورة" الحزب الوحید فی الکونغو عام 1967، وبنى للومومبا تمثالاً فی کینشاسا وأطلق علیه لقب شهید الاستقلال الأول.
جمهوریة الکونغو الثانیة
أعلن موبوتو ولادة جمهوریة الکونغو الثانیة فی 24 مارس/آذار 1967، ووضع للجمهوریة الجدیدة دستوراً یعطی السلطة لرئیس الدولة بدلا من رئیس الحکومة کما نص الدستور القدیم. وانتُخب موبوتو رئیساً للبلاد بناء على الدستور الجدید بحصوله على نسبة 100% من الأصوات. ودعا شعب الکونغو إلى العودة للأصالة الأفریقیة، ونبذ الأسماء الأوروبیة سنة 1972، وغیر اسم الکونغو إلى زائیر، واسمه من جوزف دیزیریه إلى موبوتو سیسی سیکو.
الاقتصاد
أصدر موبوتو قوانین تشجع الاستثمارات الأجنبیة احتذاء بساحل العاج فی یونیو/ حزیران 1969، إلا أن الوضع الاقتصادی لم یتحسن خاصة بعد هبوط أسعار النحاس سنة 1971.
عاد موبوتو من الصین فی فبرایر/ شباط 1973 لیؤمم الکثیر من الشرکات الخاصة حتى ملکت الدولة قرابة 60% من اقتصاد البلاد مع نهایة سنة 1974.وتراجع موبوتو عن سیاساته الاقتصادیة الاشتراکیة فأعاد الشرکات المؤممة لأصحابها سنة 1976، إلا أن الوضع الاقتصادی استمر فی التدهور فقام موبوتو بإقالة السیاسیین من إدارة الدولة لیستبدل بهم خبراء تقنیین.
ازداد الوضع سوءاً بعد توقف تصدیر النحاس الکونغولی عبر مرفأ لوبیتو فی أنغولا بسبب الحرب الأهلیة الدائرة هناک، ثم بسبب سوء العلاقة بین الدولتین بعد تولی الثوار الحکم فی أنغولا إذ کان موبوتو معارضاً لحرکة الثوار الشعبیة.
تمرد یتلوه آخر
واجه موبوتو ثورة ضده سنة 1977 قیل إنها کانت مدعومة من أنغولا، وقد تمکن الثوار من الدخول إلى شابا (کاتنغا سابقاً)، ولم یتمکن موبوتو من القضاء علیهم إلا بالاستعانة بقوات مغربیة وخبراء عسکریین مصریین وعملیات نقل عسکریة نفذتها القوات الفرنسیة.
ولم تطل فترة الهدوء إذ بدأ تمرد جدید فی شابا (کاتنغا سابقاً) فی مایو/أیار 1978، إلا أن نزول قوات فرنسیة وبلجیکیة أنهت التمرد لصالح موبوتو.واستمرت محاولات التمرد على موبوتو حتى أن بلجیکا أرسلت 250 مظلیاً لمساعدة قوات موبوتو فی فبرایر/ شباط 1979. وأعدم موبوتو مجموعة من العسکریین فی نفس العام، کما أغلق الحدود الزائیریة.ووقع موبوتو مع مصر على اتفاقیة تعاون عسکری وفنی وتبادل وتدریب عسکریین فی العاصمة الکونغولیة کینشاسا فی 8 فبرایر/ شباط 1980.
عقد من الاستقرار
ساد الکونغو استقرار إبان الثمانینیات، لکن الوضع الاقتصادی استمر فی التدهور وتراجع مستوى المعیشة لقطاع کبیر من الناس.وأعلن موبوتو عن السماح بإقامة نظام دیمقراطی فی أبریل/ نیسان 1990، وجرت انتخابات فی یونیو/ حزیران 1991 فاز بها موبوتو، وتقلص عدد الأحزاب إلى حزبین بجانب حزب موبوتو الحاکم. وانتقد زعماء المعارضة النظام الانتخابی الذی منح موبوتو نتائج غیر عادلة.
الاضطرابات: بدایة العودة
بدأ موبوتو بإعادة تنظیم برلمان الحزب الواحد وأقال زعیم المعارضة ورئیس الوزراء تاشیسکیدی أوائل سنة 1993. وعاد لیحل البرلمان ویقیل رئیس وزرائه فی یونیو/ حزیران 1994، مما دفع إلى إعلان إضراب عام فی العاصمة.
نهایة موبوتو
حاول موبوتو فی أکتوبر/تشرین الأول 1996 أن ینال من قبائل التوتسی المؤیدة للوران کابیلا والتی تعیش فی شرق الکونغو على الحدود المتاخمة لرواندا مما أدى إلى دعم رواندا لقبائل التوتسی فی الکونغو. وقاد لوران کابیلا قوات شکلها من قبائل التوتسی حرب عصابات ضد موبوتو استمرت 7 أشهر تمکن فیها من السیطرة على شرق البلاد.
وقد تلقى کابیلا دعم الدول التی استضافت معارضی موبوتو سیسی سیکو وهی أوغندا وبوروندی وتنزانیا وزامبیا وزیمبابوی وأنغولا.
استمرت قوات المعارضة فی التقدم دون مقاومة تذکر لینتهی حکم موبوتو بهروبه إلى المغرب فی 16 مایو/ أیار 1997. ومات موبوتو فی المغرب بالسرطان فی سبتمبر/أیلول من العام نفسه.
حکم کابیلا
استبد کابیلا بالحکم، وبدا للمراقبین وکأنه لا یحمل خطة واضحة. واتهم کابیلا بمذابح ضد لاجئی قبائل الهوتو، ومنع الأمم المتحدة من التحقیق فی المجازر المتهم بها. کما اتهم باستعانته بملیشیات أجنبیة لتنفیذ مخططاته ضد أعدائه، وکذلک اتهمه الکونغولیون بالعمل لصالح رواندا. واختلف کابیلا مع مساندیه القدامى مثل رواندا وأوغندا.
اضطرابات جدیدة
قاد معارضون لکابیلا من توتسی شرق الکونغو -یقال إنهم تلقوا دعمهم من رواندا وأوغندا- تمرداً ضده، وتمکن المعارضون من السیطرة على مناطق کثیرة من الکونغو. إلا أن تدخل قوات من زامبیا وزیمبابوی وأنغولا رجحت الکفة لصالح کابیلا وتراجعت قوات المعارضة من جدید.
وقعت الدول الست المعنیة بالصراع فی منطقة البحیرات العظمى على اتفاقیة وقف إطلاق نار بحضور أطراف الصراع فی الکونغو فی عاصمة زامبیا أساکا فی أغسطس/ آب 1999.
جددت أطراف الصراع فی الکونغو الاتهامات المتبادلة بخرق اتفاقیة إطلاق النار، مما أدى إلى رفض فصائل المعارضة حضور الحوار الوطنی من أجل المصالحة الذی دعا إلیه کابیلا فی أکتوبر/تشرین الأول 1999.
اندلعت مواجهات إثنیة وعرقیة بین فصائل المعارضة فی مناطق نفوذها فی فبرایر/شباط 2000، الأمر الذی أدى إلى إرسال قوات دولیة لمراقبة تنیذ اتفاقیة وقف إطلاق النار. واجتمع قادة دول البحیرات العظمى المرتبطون بالصراع الدائر فی المنطقة للنظر فی تنفیذ اتفاقیة وقف إطلاق النار فی أغسطس/آب 2000.
اغتیال کابیلا
لم تدم فترة حکم کابیلا طویلاً إذ أطلق أحد رجال کابیلا النار علیه فی 16 ینایر/ کانون الثانی 2001 لتنتهی مرحلة أخرى من النزاع فی هذا البلد الأفریقی الغنی الذی لم ینعم بالاستقرار منذ عقود طویلة.
ما تحتاجه الکونغو الآن هو مناخ أکثر ملاءمة لحوار شامل وانتخابات حرة ونزیهة. و لهذه السبب حذر المفوض فی بیانه من أن عدم الاستقرار السیاسی یمکن أن یؤدی إلى أزمة خطیرة واندلاع العنف ، داعیا إلى التراجع عن هذا المسار واستعادة الحوار الشامل کما طالب کافة الأطراف بضبط النفس، ومؤکدا أنه من الهام للغایة المساءلة الکاملة عن العدید من انتهاکات حقوق الإنسان التی وقعت هذا الأسبوع من خلال تحقیق سریع وشفاف.
مصادر:
http://www.albawabhnews.com
http://www.aljazeera.net
http://www.un.org/arabic/news/story
http://www.ohchr.org/en