تضاعف معدل وفیات عاملات المنازل المهاجرات فی لبنان
تضاعف معدل وفیات عاملات المنازل المهاجرات فی لبنان
بث هذا الفیدیو على شاشة قناة الجدید فی لبنان فی شهر مارس، مع تعلیق صوتی یشرح أن تلک المرأة کانت عاملة إثیوبیة تعمل فی أحد المنازل فی خلده، وهی منطقة جنوب بیروت.
یتم التحقیق بشکل سیء فی العدید من حالات وفیات عاملات المنازل المهاجرات، فتصنّف معظمها تلقائیاما یتم توسیع دائرة التحقیق لتشمل الجیران وأصدقاء العاملة.وعالوةً على ذلک، غالباو نادرا أصحاب العمل والظروف المعیشیة السیئة باعتبارها أسباب لاانتحار أو للوفاة.ینص العهد الدولی الخاص بالحقوق المدنیة والسیاسیة على أن "لکل إنسان الحق الطبیعی فی الحیاة".
کما وأن العهد الدولی الخاص بالحقوق الاقتصادیة والاجتماعیة والثقافیة ع بشروط عادلة و ُمرضیة فی العمل" بما فی ذلک الحقیق ّر بالحق فی "التمتّ فی "ظروف عمل آمنة وصحیة".
یخالف لبنان التزاماته الدولیة فی مجال حقوق إلانسان فی ظل العهدین المذکورین لجهةالفشل فی ضمان ظروف عمل الئقة، وفی إجراء التحقیقات المناسبة فی حاالت وفیات أو إصابة عامالت المنازل المهاجرات.
ووفقاً للإحصاءات التی حصلت علیها شبکة الأنباء الإنسانیة (إیرین) من مدیریة الأمن العام فی لبنان، تصل حالات عاملات المنازل المهاجرات اللاتی یلقین حتفهن فی البلاد إلى حالتین أسبوعیاً. والعدید من حالات الوفاة عبارة عن انتحار أو محاولة هرب فاشلة تفضل فیها العاملات المهاجرات القفز من المبانی بدلاً من مواصلة العمل فی أوضاع مُسیئة واستغلالیة.
وکانت منظمة هیومن رایتس ووتش قد ذکرت فی تقریر صدر عام 2008 بعنوان حالة عاملات المنازل المهاجرات فی لبنان، أن معدل حالات الوفاة یبلغ حالة واحدة کل أسبوع. ومنذ ذلک الحین، یبدو أن تنامی حملات الناشطین والمناصرین لهذه القضیة لم تتمخض عن أثر یُذکر. وقد تم إعادة جثامین 138 عاملة منزلیة مهاجرة فی الفترة الممتدة من ینایر 2016 إلى أبریل من هذا العام.
وتدعو جماعات حقوق الإنسان إلى توفیر حمایة أفضل للعمالة المهاجرة فی لبنان منذ سنوات، وفی عام 2014 تمکنت العاملات فی المنازل من تشکیل اتحاد خاص بهن، هو الأول من نوعه فی المنطقة. مع ذلک، لم یتغیر الکثیر، إذ لا تزال العاملات القادمات من إثیوبیا وبنجلادیش وسریلانکا والفلبین وکینیا وغیرها من البلدان النامیة رهن نظام الکفالة الذی یعطی أصحاب العمل السیطرة الکاملة على حیاة العمال.
التعرض للضرب والانتهاک
هربت رهوا*، التی تبلغ من العمر 37 عاماً وهی من إریتریا، بعد قضاء خمس سنوات کخادمة لعائلة ثریة فی العاصمة اللبنانیة طرابلس. لم تکن تحصل على مرتب، ولا على أیام إجازة، وتنام على أرضیة المطبخ. وقد تعرضت للضرب من "سیدتها" والتحرش الجنسی من زوج تلک السیدة. وعن تجربتها هذه، قالت رهوا، التی لم یُسمح لها بالاتصال بأسرتها فی إریتریا: "کانت الحیاة کالجحیم". ورهوا الآن من ضمن اللاجئات المسجلات وترأس بصفة غیر رسمیة کنیسة العمال المهاجرین الإثیوبیین فی بیروت. وقالت لشبکة الأنباء الإنسانیة (إیرین) أن العدید من النساء اللاتی یأتین إلى الکنیسة یشعرن أنهن سجینات ظروف العمل المنزلی. وأضافت: "الکثیرات منهن یصبن بالجنون. وحتى عندما یهربن، یعیشن فی غرف مکتظة مع ستة أو سبعة أشخاص. وهذا یجعل المرء یصاب بالجنون أیضاً".
وتتزامن الزیادة فی معدل وفیات العاملات المهاجرات مع انخفاض فی التقاریر العامة والاستقصاء. والمنظمة غیر الحکومیة الوحیدة التی تنشط فی مجال إحصاء وفیات عاملات المنازل المهاجرات هی کفى، وهی منظمة حقوقیة شکلتها سیدات لبنانیات، وتعتمد على التقاریر الإخباریة المحلیة لمعرفة الحالات. وقد حددت ما بین 10 إلى 12 حالة سنویاً فی المتوسط منذ عام 2010، ولم تکتشف الزیادة التی حدثت مؤخراً.
فی السیاق ذاته، وفی مرکز للمهاجرین فی بیروت، قالت راحیل زیجی، البالغة من العمر 37 عاماً، وهی متطوعة إثیوبیة تعمل مع حرکة مناهضة العنصریة المؤیدة لحقوق المهاجرین، أنه من الصعب توثیق حالات الانتحار لأن العدید من النساء اللواتی یتوفین لم یترکن منازل أرباب عملهن أبداً. وقد حاولت زیجی متابعة العدید من حالات الانتحار ولکنها قالت أنها "لا تملک سلطة مطالبة الحکومة هنا بأی شیء". وقد استعرضت صوراً على هاتفها لعاملات منازل إثیوبیات مصابات: کانت بعضهن فاقدات للوعی ومصابات برضوض، وبعضهن حوامل أو مرضى، أو ینزفن على الأرض، کلهن من النساء، والکثیر منهن، کما قالت زیجی، قد توفین منذ ذلک الحین.
أزمة غیر مرئیة
وعلى الرغم من أن إثیوبیا منعت هجرة الید العاملة إلى منطقة الشرق الأوسط، إلا أن النساء المهاجرات یواصلن الهجرة بصورة غیر مشروعة من هناک کل یوم. وفی ظل أنهن یعشن بعیداً عن الأعین وغیر مسجلات رسمیاً، فإنهن یجدن أنفسهن حبیسات ظروف العمل التی کثیراً ما تنتهی بتعرضهن للاعتداء، أو السجن، أو الترحیل أو حتى الموت. وحول هذا الوضع، قالت زیجی: "الکثیر من الإثیوبیات یأتین إلى هنا... لماذا لا توقفهن الحکومة اللبنانیة؟ جیل الشباب یموت هنا".
من جانبها، قالت مایا عمار، المسؤولة الإعلامیة فی کفى، أن المنظمة حاولت جمع المزید من المعلومات حول وفاة المهاجرات، التی ترد فی وسائل الإعلام من الأمن العام، "لکن الملف یغلق بعد 24 ساعة، مع عدم إجراء مزید من التحقیق. نحن لا نعرف الفتاةـ أو اسمها، أو أسرتها أو کیفیة الوصول إلیها. نتصل بالسفارة الإثیوبیة، لکنها لا تتعاون کثیراً معنا. لا أحد یتابع الأمر".
کما رفضت حلیمة محمد، القنصل العام لإثیوبیا فی لبنان، مناقشة تفاصیل حالات الوفاة، قائلة أنه لا یوجد هناک سوى عدد قلیل کل عام، وأن السفارة الإثیوبیة لا یمکنها الضغط على السلطات اللبنانیة للتحقیق أو المحاکمة. وتعلیقاً على ذلک، قالت لشبکة الأنباء الإنسانیة (إیرین): "إذا توفت فتاة، نحن نبحث دائماً عن تقریر. ولکن فی بلد لا یوجد فیه حکم القانون أو المساءلة، کیف لک أن تثق [فیه]؟ لا یمکنک التحقق من أی شیء". وأضافت: "تقبع تلک الفتیات فی المنازل لسنوات. إنهن شابات ولیس لدیهن معرفة بکیفیة حمایة أنفسهن".
حظر سفر غیر فعال
والنهج الذی تتبعه إثیوبیا لمنع مواطنیها من الذهاب إلى العمل فی لبنان قد جُرّب فی نیبال والفلبین ومدغشقر فی أوقات مختلفة. مع ذلک، فقد ارتفع عدد عاملات المنازل المهاجرات إلى لبنان من أقل من 130,000 فی عام 2014 إلى ما یقرب من 170,000 فی عام 2016، وفقاً لوزارة العمل، وهذا الرقم لا یتضمن اللواتی یصلن دون تصاریح عمل رسمیة. وحول هذا النهج، قالت حلیمة محمد: "لقد منعنا إرسال الفتیات العاملات إلى کافة أنحاء الشرق الأوسط قبل عامین، ولکن بطریقة غیر رسمیة، هناک اتجار". وأوضحت أن الإثیوبیین یستطیعون القدوم بسهولة کسائحین، أو عبر بلدان ثالثة، ومن ثم یحصلون على تأشیرة عمل بعد وصولهم إلى لبنان.
وتعلیقاً على الموضوع ذاته، قالت زینة مزهر من منظمة العمل الدولیة أن حظر السفر فی الواقع یزید من قابلیة تعرض العمال المهاجرین للخطر. وأفادت لشبکة الأنباء الإنسانیة (إیرین): "نحن غیر داعمین على الإطلاق لحظر السفر فی بلدان المصدر. فهذا یعرّض المهاجرین لخطر أکثر من حیث الاستغلال والاتجار بالبشر".
وبدلاً من ذلک، تدعو منظمة العمل الدولیة لعقد اتفاقات ثنائیة شاملة بین دول المصدر والوجهة لتنظیم عملیات التوظیف والهجرة وظروف العمل. ینبغی أن تضع مثل هذه الاتفاقات "حقوق المهاجرین فی بؤرة اهتمامها".
لا توجد صفة قانونیة
إضافة إلى ما سبق، ترى فرح سیلکا، المدیر التنفیذی لحرکة مناهضة العنصریة، أنه لا یوجد لدى الحکومة اللبنانیة اهتمام قوی أو قدرة على تغییر نظام العمال المهاجرین: "لیس هناک شیء یسمى قانون عمال المنازل المهاجرین هنا. الأمر لا یتعلق بأن هناک قانون سیء، بل لا یوجد قانون" بالأساس.
حرکة مناهضة العنصریة
عاملات مهاجرات من الفلبین یشارکن فی مسیرة فی بیروت نظمتها حرکة مناهضة العنصریة
عمال المنازل مستثنون من قانون العمل فی لبنان، ما یعنی أن لیس لدیهم أی ضمانات للحصول على الحد الأدنى من الأجور، وأیام العطلات، أو طلب المساعدة فی حالات حجب المرتبات، الاعتداء الجنسی، أو اللفظی أو الجسدی. بدلاً من ذلک، یوجد لدیهم نظام الکفالة ینص على أن العمال المهاجرین یجب أن یعیشوا مع أرباب عملهم، ولا یمکن تغییر أماکن العمل دون موافقة أرباب العمل.
وکثیراً ما تسعى العاملات لطلب المساعدة من وکالات توظیفهن، لکن غالباً ما تکون النتیجة هی التجاهل أو المزید من الاستغلال. بعد أن تعرضت تینیسیا*، وهی کینیة تبلغ من العمر 22 عاماً، للضرب والحبس داخل المنزل من قبل رب عملها، طلبت المساعدة من الوکالة التی وظفتها. لکن بدلاً من أن تقدم لها ید العون، صادرت جواز سفرها، وأرسلتها للعمل مع أسر أخرى دون أجر. وتوضیحاً لمعاناتها، قالت تینیسیا: "طلب الوکیل منی أن انتظر وأعمل، وسیتم توفیر المال لشراء تذکرة العودة إلى دیاری". عملت تینیسیا لعام وأربعة أشهر أخرى قبل أن تتصل بالسفارة الکینیة، التی ساعدتها على الهرب إلى مأوى للسیدات تدیره منظمة کاریتاس. ولا تزال لا تملک جواز سفرها أو المال اللازم لشراء تذکرة للعودة إلى وطنها.
تقدم المنظمات غیر الحکومیة بعض المساعدة للعمال المهاجرین، ولکن إحداث تغییرات حقیقیة لظروفهم یتطلب تغییراً فی نهج السیاسة من القمة إلى القاعدة، الذی لا یشکل أولویة للحکومة اللبنانیة وفقاً لعمار من منظمة کفى، التی قالت: "لیس هناک أی نیة على الإطلاق لإعادة النظر فی نظام الکفالة. الحکومة والأمن العام على اقتناع بأنه یحمی العامل عبر السیطرة علیه ... هناک الکثیر من الافتراضات العنصریة، على سبیل المثال، أن هؤلاء النساء ضعیفات ویحتجن إلى البقاء مع أسرة".
التعبیر عن قضایاهن
أنشئت نقابة عاملات وعمال المنازل فی أواخر عام 2014 تحت مظلة الاتحاد الوطنی لنقابات العمال والمستخدمین فی لبنان، بهدف تمکین عمال المنازل من حمایة أنفسهم والتعبیر عن قضایاهم، حسبما قالت فرح عبدالله، وهی ممثلة من الاتحاد. لکن نظراً لأنه لا یسمح للمهاجرین بتشکیل نقابات فی ظل القانون اللبنانی، فإن رئیس الاتحاد لبنانی ویتیح لعمال المنازل المهاجرات فقط سبل الوصول إلى اللبنانیین، الذین یمکنهم التحدث باسمهم.
حرکة مناهضة العنصریة
وتوضیحاً لذلک، قالت إیدان تیجانو، 44 عاماً من الفلبین، رئیس الجمعیة العامة للاتحاد: "نحن نبلغ المشکلات إلى الاتحاد الوطنی، وهم یتحدثون إلى أرباب العمل". جاءت تیجانو إلى لبنان فی عام 2012 کعاملة مهاجرة ولکنها ترکت عملها بعد ستة أشهر لأنها لم تحصل من صاحب العمل على مرتب أو إجازة. ووفقاً لنظام الکفالة، تعتبر الآن هاربة وتقیم بصورة غیر قانونیة. وحول معاناتهن، قالت تیجانو: "لیس لدینا أوراق، ومن ثم لا نستطیع الإبلاغ عن مشکلاتنا. وإذا أبلغنا الشرطة أن أرباب العمل لا یعطوننا مرتباتنا، فسوف یقبضون علینا".
وفی دیسمبر الماضی، رحّلت السلطات اللبنانیة عاملة مهاجرة من نیبال وناشطة تدعى سوجانا رانا فی الیوم الدولی لحقوق الإنسان، وطردت مهاجرة نیبالیة أخرى تدعى روجا لیمبو، بعد ذلک ببضعة أیام. وکان لدى المهاجرتین تأشیرة عمل وتتمتعان بصفة قانونیة، بل کانتا من بین أعضاء الاتحاد المعروفات وناشطات فی المجتمع، الأمر الذی ترى منظمة هیومن رایتس ووتش أنه کان السبب فی ترحیلهن.
والجدیر بالذکر أن الخوف من الاعتقال التعسفی والترحیل یحد من قدرة العاملات المهاجرات على الدعوة إلى إجراء إصلاحات قانونیة وتوفیر ظروف عمل أفضل. وختاماً، قالت سلکا، المدیر التنفیذی لحرکة مناهضة العنصریة: "لا أحد یرغب فی تحمل المخاطر من أی نوع فیما یتعلق بتنظیم الفعالیات". لا تستطیع معظم عاملات المنازل المهاجرات، اللاتی لا یزلن مع أرباب عملهن، مغادرة المنزل، ومن ثم فإن معظم من یمکنهن الحضور والمشارکة فی الفعالیات مثل المسیرات هن فی الغالب "هاربات" ویقمن بصورة غیر قانونیة، وبالتالی عرضة للخطر. "ماذا یحدث لو أن لدینا وقفة احتجاجیة على ضوء الشموع تشارک فیها 20 عاملة، ثم جاءت الشرطة وقبضت علیهن؟ ما الذی بوسعنا أن نفعله من أجلهن؟ لا شیء".
مصدر : منظمة ایرین