الأمم المتحدة: حقوق الإنسان لیست رفاهیة وأصبح من الواضح أن الإنسانیة لا تتجزأ

غوتیریش الذی کان یتحدث فی افتتاح دورة مجلس حقوق الإنسان العادیة الرابعة والثلاثین فی جنیف، شدد على أهمیة دور هذا المجلس فی معالجة عدم احترام حقوق الإنسان عبر العالم، من خلال دوره المحوری المعنی بالوقایة وإطلاق الإنذار المبکر للأزمات، ولجانه المعنیة بالتحقیق وتقصی الحقائق، وتوصیات الخبراء المستقلین، وانخراطه المتنامی مع المجتمع المدنی، قائلا إن التمتع بحقوق الإنسان لیس "رفاهیة".

ولعل أفضل أداة متوفرة للوقایة من انتهاکات حقوق الإنسان، بحسب غوتیریش، هی الإعلان العالمی لحقوق الإنسان والمعاهدات المستمدة منه. فالحقوق المنصوص علیها فی ذلک الإعلان تحدد العدید من الأسباب الجذریة للصراع، ولکن بنفس القدر توفر حلولا حقیقیة من خلال تغییر حقیقی على أرض الواقع.

وفی هذا السیاق أعرب الأمین العام عن تطلعه إلى أن ینخرط مجلس حقوق الإنسان بالکامل ویساعد فی إحداث تغییر حیال مجموعة من القضایا التی تتطلب اهتماما فی عالمنا المضطرب. ومن تلک القضایا، أوضح غوتیریش:
"تشمل (تلک القضایا) انتهاکاتٍ متعمدةً ومنهجیةً للقانون الإنسانی الدولی فی عدد متزاید من الصراعات، والتی اجتهد هذا المجلس فی فضح الکثیر منها. نشهد بشکل متزاید ظاهرة ضارة حیث تغذی الشعبویة والتطرف بعضهما البعض فی موجة من تنامی العنصریة وکراهیة الأجانب ومعاداة السامیة والکراهیة ضد المسلمین وغیرها من أشکال التعصب. وتواجه الأقلیات والمجتمعات الأصلیة وغیرُها التمییزَ وسوءَ المعاملة فی جمیع أنحاء العالم. والأمر نفسه ینطبق على أعضاء مجتمع المثلیات والمثلیین ومزدوجی المیل الجنسی ومغایری الهویة الجنسانیة وحاملی صفات الجنسین."

من ناحیة أخرى، شدد الأمین العام على أنه لا یمکن تحقیق أی من أهداف الأمم المتحدة دون المشارکة الکاملة للنساء والفتیات، معلنا وضع خریطة طریق واضحة لتحقیق التکافؤ بین الجنسین فی منظومة الأمم المتحدة، قائلا إن "حقوق المرأة هی حقوق الإنسان".

وفی نفس السیاق وجه نداء خاصا لحمایة حقوق الأطفال- فهم الضحایا الرئیسیون للحرب والأزمات التی غالبا ما تستمر آثارها مدى الحیاة-، بمن فیهم الأطفال اللاجئون.

ومن جانبه ذکّر المفوض السامی زید بن رعد الحسین فی کلمته القادة السیاسیین الذین قال إنهم یشنون الحملات الیوم ضد حقوق الإنسان العالمیة، أو یهددون بالانسحاب من المعاهدات الدولیة أو الإقلیمیة، والمؤسسات الداعمة لها، بما حققه العالم على مدى سبعة عقود – وما ستخسره البشریة إذا نجحت تهدیداتهم فی القضاء على حقوق الإنسان العالمیة.

وقال "الجهات الفاعلة السیاسیة التی، کما کان الحال فی أیام عصبة الأمم، تهدد النظام متعدد الأطراف أو تنوی الانسحاب من أجزاء منه، ولا بد أن تدوی صفارات إنذار التجربة التاریخیة بوضوح. نحن لن نقف مکتوفی الأیدی. لدینا الکثیر لنخسره، الکثیر لحمایته. ولا یمکن أن نسمح بأن یلقی الساسة المتهورون، حقوقنا وحقوق الآخرین ومستقبل کوکبنا، جانبا."

وأوضح أنه بعد إنشاء الأمم المتحدة، جرت مفاوضات حول المعاهدات القائمة على الحقوق المتعددة الأطراف وتم اعتمادها: وتشکل اتفاقیة جنیف الرابعة واتفاقیة اللاجئین والعهدان الدولیان، جمیعا، إلى جانب الإعلان العالمی، القانونَ العالمی لحقوق الإنسان.

وقال إن العهدین، جنبا إلى جنب مع معاهدات حقوق الإنسان الأخرى الأساسیة الدولیة والهیئات المنشأة بموجب المعاهدات، أنشأت لحمایة طائفة واسعة من الحقوق المدنیة والسیاسیة والاقتصادیة والاجتماعیة والثقافیة. وکذلک لتعزیز الحظر المفروض على التعذیب والاختفاء القسری والتمییز العنصری والتمییز ضد المرأة. وحقوق الطفل، وحقوق العمال المهاجرین، والأشخاص ذوی الإعاقة. ویدعمهما الیوم مجلس حقوق الإنسان، مع خبرائه المستقلین والاستعراض الدوری الشامل.

وأکد زید على أنه بدون الالتزام بحقوق الإنسان الأساسیة، وبکرامة وقیمة الإنسان والحقوق المتساویة للرجال والنساء والأمم کبیرها وصغیرها، ستسود الفوضى والبؤس والحروب فی العالم. وأشار إلى أنه من بین إنجازات ما بعد الحرب العظیمة هذه، قد یکون التأکید على عالمیة الحقوق فی قانون حقوق الإنسان أبرزها.

وذکر أن أعدادا متزایدة من البشر الآن على درایة بأن التعذیب محظور فی جمیع الظروف. وأن الاعتقال والاحتجاز التعسفی، والحرمان من المحاکمة العادلة، وقمع الاحتجاجات السلمیة وحریة التعبیر - بما فی ذلک دور الصحافة – هی انتهاکات للحقوق. وهم یعرفون أن لدیهم الحق فی التنمیة، والغذاء اللائق والمیاه والصحة والسکن والتعلیم وغیرها. الناس یعرفون. یعرفون "کرامة وقیمة کل إنسان".

وقال إن وسائل النقل قصّرت المسافات والسفر، وتنقل البشر وتخالطوا على نطاق لم یسبق له مثیل من قبل، وأصبح واضحا أیضا أن : "الإنسانیة لا تتجزأ."

وقال، "المسیرات غیر المسبوقة فی 21 کانون الأول/ ینایر من هذا العام لم تکن، على ما أعتقد، تستهدف فردا أو حکومة معینة - على الرغم من أن العدید رآها من هذا المنظور. أعتقد أن المسیرات کانت من أجل حقوق المرأة، والحقوق الإنسانیة للمرأة، من أجلنا جمیعا، من أجل إنسانیة عادلة وشاملة. لقد شعرت بالفخر لمشارکة موظفین من مکتبی فیها. یجب علینا أن ندافع عن حقوق الإنسان. عندما یفهم البشر تماما أن لدیهم حقوق، یکاد یکون من المستحیل أن یتجاهلونها."