مصر: لجنة مناهضة التعذیب تؤکد الممارسة المنهجیة للتعذیب فی مصر
مصر: لجنة مناهضة التعذیب تؤکد الممارسة المنهجیة...
وأضافت ” أن التحقیق الذی تم ونتائجه المنشورة فی تقریر اللجنة بمثابة أول إدانة دولیة تدلل بشکل واضح على مسئولیة أفراد من الجیش بإرتکاب جرائم لتعذیب المواطنین فی مصر”.
ووفقا للمادة 20(1) من اتفاقیه مناهضة التعذیب الموقعة علیها مصر فقد قامت لجنة مناهضة التعذیب أعلی هیئة دولیة أممیة تعمل علی مناهضة التعذیب فی العالم بفتح تحقیق فی مدی قیام السلطات المصریة بالعمل علی تنفیذ اتفاقیة مناهضة التعذیب ولا تقوم لجنة مناهضة التعذیب بفتح مثل هکذا تحقیقات إلا إذا تلقت اللجنة معلومات موثوقاً بها یبدو لها أنها تتضمن دلائل ذات أساس متین تشیر إلى أن التعذیب یمارس على نحو منهجی فی إقلیم دولة طرف فی الاتفاقیة، تدعو اللجنة تلک الدولة الطرف إلى التعاون فی دراسة هذه المعلومات، وتحقیقاً لهذه الغایة، إلى تقدیم ملاحظات بصدد تلک المعلومات.
الخط الزمنی لتحقیق لجنة مناهضة التعذیب.
ویعود بدء فتح التحقیق الی مارس من العام 2012 حینما قامت مؤسسة الکرامة ومقرها جنیف تدعی فیها المؤسسة أن التعذیب یُمارس بصورة منهجیة فی مصر. وتتضمن التقاریر ادعاءات فردیة عن التعذیب ووصفاً لعدة أحداث جماهیریة. وذکّرت الکرامة بأن اللجنة کانت قد نشرت فی عام 1996 موجزاً لتحرٍ سابق أُجری بخصوص مصر بموجب المادة 20، وأنها أکدت فیه أن قوات الأمن قد مارست التعذیب بصورة منهجیة. وأرسلت الکرامة أیضاً تقاریر حدیثة لعدة منظمات غیر حکومیة تتضمن ادعاءات إضافیة بممارسة التعذیب.
وفی نوفمبر 2012 قضت بأن المعلومات المقدمة موثوقة وتتضمن إشارات ذات أساس من الصحة بأن التعذیب یمارس بصورة منهجیة فی مصر. ودعت اللجنة مصر إلى التعاون فی بحث المعلومات وإلى إبداء ملاحظاتها.
فی فبرایر 2013 ردت مصر على اللجنة وأوضحت أن لدیها ألیات قانونیة ومؤسساتیة قائمة لمنع التعذیب والمعاقبة علیه. ونظرت اللجنة فی هذا الأمر، إلى جانب معلومات إضافیة قدمتها منظمات غیر حکومیة.
فی 4 أکتوبر 2013 أرسلت الحکومة المصریة کتاب للرد على معلومات الواردة من اللجنة حیث أوضحت فیه مصر الضمانات الدستوریة والتشریعیة التی تحظر التعذیب.
فی نوفمبر 2013 قررت اللجنة البدء فی إجراء تحرٍ عملاً بالمادة 20(2) من الاتفاقیة. وأبلغت اللجنة مصر بذلک وطلبت إلى الحکومة أن توافق على زیارة یقوم بها مقرراها المعیّنان، السید دوماه والسیدة غایر.
فی 16 ینایر 2014، أرسلت مصر کتاب ثانی رفضت فیه مقبولیة وموثوقیة المعلومات التی قدمتها الکرامة. وأکدت أن التعذیب لیس ممارسة منهجیة فی مصر، وأنه یمکن أن تکون قد وقعت بعض حوادث التعذیب إلاّ أنها حوادث معزولة تُجری السلطات تحقیقاً فیها.
فی 8 مایو 2014، اقترحت مصر إرسال ممثلین للاجتماع باللجنة وبحث حالة حقوق الإنسان فی البلد.
فی نوفمبر 2014، أبلغت اللجنة الدولة الطرف بأنه فی حال عدم ورود رد إیجابی على طلب إجراء الزیارة من قبل أعضاء اللجنة، فإنها ستقوم، وفقاً للإجراءات الاعتیادیة، بإجراء تحرٍ سری من دون زیارة وهو الأمر الذی تم بالفعل.
فی 1 یونیة 2016 أرسلت الحکومة المصریة رداً على النتائج التی توصلت إلیها اللجنة وذکرت فیه أنه ما کان ینبغی للجنة أن تخلص إلى أن الدولة الطرف تمارس التعذیب بصورة منهجیة بسبب عجزها عن الرد على الادعاءات المحددة التی قدمتها مؤسسة الکرامة، والتی قالت إنها تستند إلى إشاعات وتفتقر إلى أدلة داعمة. وقبلت الدولة الطرف الکثیر من توصیات اللجنة وأکدت أنه یجری بالفعل تنفیذها، وقبلت جزئیاً عدة توصیات أخرى أو أخذت علماً بها. ورفضت توصیات اللجنة المتعلقة بإنهاء ممارسة الاحتجاز الانفرادی على الفور، وبإنشاء هیئة مستقلة للتحقیق فی ادعاءات التعذیب والاختفاء القسری وسوء المعاملة، وقصر اختصاص المحاکم العسکریة على الجرائم التی تتصف حصریاً بطابع عسکری، وإنفاذ حظر “اختبارات البکارة” وإنهاء ممارسة الفحوص الشرجیة الشرعیة للأشخاص المتهمین بجرائم.
المعلومات الواردة الی اللجنة بخصوص منهجیة التعذیب.
تلقت اللجنة بین عامی 2012 و2015 سبعة بلاغات من مؤسسة الکرامة، تتعلق بممارسة التعذیب فی مصر، وتتضمن على الأقل 146 ادعاءً فردیاً بالتعذیب، یعود تاریخ معظمها إلى عامی 2013 و2014، فضلاً عن معلومات تتعلق بعدة شکاوى جماعیة. وتزعم بلاغات الکرامة أن التعذیب ظل متفشیاً فی مصر من عام 2012 إلى عام 2015 على الرغم من العدید من التغییرات السیاسیة الهامة.
وإضافة إلى ذلک، نظرت اللجنة فی معلومات تتعلق بالتعذیب فی مصر واردة من مسؤولین وهیئات فی الأمم المتحدة، بما فی ذلک مفوضیة الأمم المتحدة السامیة لحقوق الإنسان، ولجنة حقوق الطفل، والمقرر الخاص المعنی بالتعذیب، والفریق العامل المعنی بحالات الاختفاء القسری أو غیر الطوعی، ومن اللجنة الأفریقیة لحقوق الإنسان والشعوب. فهذه المصادر تؤید الزعم بأن التعذیب مورس بصورة منهجیة فی مصر طوال فترة التحری.
واستعرضت اللجنة أیضاً التقاریر المتاحة علنیاً التی وضعتها المنظمات غیر الحکومیة التالیة: مرکز الندیم لتأهیل ضحایا العنف، ومنظمة العفو الدولیة، والمبادرة المصریة للحقوق الشخصیة، والمنظمة المصریة لحقوق الإنسان، والاتحاد الدولی لحقوق الإنسان، وهیومن رایتس ووتش، والمجموعة المتحدة للمحامین والمستشارین القانونیین والمدافعین عن حقوق الإنسان. وتتحدث التقاریر بالتفصیل عن 94 حالة تعذیب فردیة مزعومة وقعت بین عامی 2011 و2015، وذکرت بعض المنظمات أنها تلقت الآلاف من الشکاوى.
الجهات المسئولة عن التعذیب فی مصر.
.طبقا للتحقیق الذی أجرته لجنة مناهضة التعذیب فإن التعذیب فی مصر یتم على أیدی الجهات الأتیة
1- المسئولین العسکریین
2- مسئولی الشرطة
3- مسئولی السجون
وأعزت اللجنة فی تقریرها إلى أن التعذیب المصریین یتم للأغراض الاتیة
أولا: معاقبة المتظاهرین
ثانیا: منذ عام 2013، معاقبة مؤیدی وأعضاء الإخوان المسلمین
ثالثا: الحصول على اعترافات بالإکراه
رابعا: الضغط على المعتقلین لتوریط غیرهم فی الجرائم
وقالت اللجنة “ویُزعم أن ممارسة التعذیب قد یسَّرتها الزیادة الکبیرة فی عملیات الاعتقال التی قامت بها السلطات منذ تموز/یولیه 2013، وکذلک ممارسة احتجاز المتظاهرین فی أماکن احتجاز غیر رسمیة. وتحدثت المصادر أیضاً عن ممارسة العنف الجنسی من جانب موظفی الدولة واستخدام القوة المفرطة رداً على التظاهرات منذ عام 2011، مما تسبب فی آلاف الوفیات”.
وأکدت اللجنة ” أن إفلات مرتکبی أعمال التعذیب من العقاب واسع الانتشار، یسهله عدم وجود هیئة تحقیق مستقلة للنظر فی شکاوى التعذیب، والاستخدام المفرط للمحاکم العسکریة، وعدم وجود رصد مستقل منتظم لأماکن الاحتجاز، وعدم استقلال المجلس الوطنی لحقوق الإنسان وقلة کفاءته”.
استنتاجات اللجنة والتوصیات
بعد تلک المدة من التحقیقات والنظر فی التقاریر والردود المختلفة من الحکومة المصریة کانت استنتاجات اللجنة الاتی.
أولا: أن ن التعذیب یمارس بصورة منهجیة فی مصر ومن الواضح أن حالات التعذیب المفاد عنها لم تحدث بالمصادفة فی مکان معین أو فی زمن معین، وإنما تعتبر اعتیادیة وواسعة الانتشار ومتعمدة فی جزء کبیر من أراضی مصر.
ثانیا: ان المعلومات المقدمة من المنظمات غیر الحکومیة والنتائج التی توصلت إلیها مصادر الأمم المتحدة، بما فی ذلک المقرر الخاص المعنی بالتعذیب، تُظهر اتجاهات فیما یتعلق بممارسی التعذیب وأسالیبه ومکانه فی مصر، کما تُظهر اتجاه إفلات الجناة من العقاب.
ثالثا: أن التعذیب، یحدث، أکثر ما یحدث، عقب عملیات الاعتقال التعسفیة، وأنه یُمارس غالباً للحصول على اعتراف أو لمعاقبة المعارضین السیاسیین وتهدیدهم. ویحدث التعذیب فی مخافر الشرطة والسجون ومرافق أمن الدولة ومرافق قوات الأمن المرکزی. ویمارس التعذیب مسؤولو الشرطة والمسؤولون العسکریون ومسؤولو الأمن الوطنی وحراس السجون. إلاّ أن المدعین العامین والقضاة ومسؤولی السجون یسهلون أیضاً التعذیب بتقاعسهم عن کبح ممارسات التعذیب والاحتجاز التعسفی وسوء المعاملة، أو عن اتخاذ إجراء بشأن الشکاوى. وقد وقع العدید من الحوادث الموثقة فی القاهرة الکبرى، ولکن أُفید أیضاً عن حالات وقعت فی أنحاء مختلفة من البلد. ویفلت مرتکبو أعمال التعذیب على الدوام تقریباً من العقاب، على الرغم من أن القانون المصری یحظر التعذیب والممارسات المتصلة به، ویُنشئ آلیات محاسبة، الأمر الذی یدل على تضارب خطیر بین القانون والممارسة. وفی نظر اللجنة أن کل ما تقدم ذکره یقود إلى استنتاج لا مفر منه وهو أن التعذیب ممارسة منهجیة فی مصر.
رابعا: قدمت اللجنة توصیات عاجلة إلى مصر، منها أن تقضی فوراً على ممارسة التعذیب وإساءة المعاملة فی جمیع أماکن الاحتجاز، وأن تکفل أن یدین کبار مسؤولی الدولة بصورة علنیة التعذیب وإساءة المعاملة من جانب موظفی الدولة، وأن تعتمد سیاسة عدم التساهل مطلقاً مع التعذیب، وأن تقاضی مرتکبی أعمال التعذیب، بمن فیهم أولئک الذین یتولون مسؤولیة قیادیة أو مسؤولیة علیا.
تقریر منظمة الکرامة إلى لجنة مناهضة التعذیب
قامت الکرامة فی إطار المادة 20 برفع شکاوى إلى لجنة مناهضة التعذیب بشأن حالات تعذیب فردیة وجماعیة وثقتها هی ومنظمات غیر حکومیة أخرى. وقد قامت الکرامة منذ تأسیسها سنة 2004، بتوثیق آلاف حالات التعذیب فی مصر. ودعت الکرامة الهیئة الأممیة بإجراء تحقیق، بعدما رفعت إلى الإجراءات الخاصة للأمم المتحدة أکثر من 150 حالة فی تقریرها الأولی.
وخلال دورتها التاسعة والأربعین فی نوفمبر/تشرین الثانی 2012، اعتبرت لجنة مناهضة التعذیب أن المعلومات الواردة فی تقریر الکرامة موثوقة وأن "التعذیب یمارس بشکل منهجی فی أراضی مصر" ، ودعت الحکومة إلى الرد على تقاریر الکرامة، ثم طالبتها فی نوفمبر 2013 بزیارة لمقرریها المعنیین إلا أن السلطات المصریة امتنعت عن التعاون مع اللجنة الأممیة.
ولم ترد السلطات المصریة على لجنة مناهضة التعذیب ما بین 2013 و 2014، وحاولت تسلیط الضوء على "ضماناتها الدستوریة والتشریعیة" ضد ممارسة التعذیب وحاولت التشکیک فی مصداقیة المعلومات المقدمة من طرف الکرامة، إلا أن اللجنة الأممیة نبهت أمام العدد الکبیر للحالات التی قدمتها الکرامة إلى "تضارب خطیر بین القانون والممارسة" فیما یتعلق بالتعذیب فی مصر.
واصلت الکرامة فی الفترة ما بین 2012 و 2016 ثوثیق المزید من الحالات، وقدمت ثمانیة تقاریر متابعة إلى اللجنة المعنیة لإفادتها بالتطورات وحالات تعذیب أخرى إضافة إلى عدم احترام مصر لالتزاماتها بموجب الاتفاقیة، ومواصلة ممارسة التعذیب المنهجی فی الفترة المذکورة.
تغطی تقاریر الکرامة مرحلة ما بعد مبارک التی تولى فیها المجلس الأعلى للقوات المسلحة، ثم الرئیس مرسی وأخیراً المشیر عبد الفتاح السیسی السلطة فی مصر. وتشیر البیانات إلى أن وضعیة حقوق الإنسان منذ استیلاء السیسی على السلطة هی أسوأ فترة شهدتها مصر على الإطلاق.
وتوصلت لجنة مناهضة التعذیب، بناء على تقاریر زودتها بها الکرامة ومسؤولین أممیین وهیئات أممیة ومنظمات غیر حکومیة أخرى، إلى أن التعذیب ظل منهجیا فی مصر رغم تعاقب الحکومات. وأظهرت المعلومات التی توصلت بها اللجنة من المصادر المذکورة إلى أن التعذیب یمارس لانتزاع اعترافات المحتجزین الذین غالبا ما یتم القبض علیهم بسبب انتماءاتهم السیاسیة أو مشارکتهم فی الاحتجاجات بینما یظل المتورطون فی هذه الأفعال بعیدین عن المساءلة یمارسون انتهاکاتهم الجسیمة لحقوق الإنسان فی إفلات تام من العقاب.
توصیات منطمة الکرامة
تعرب الکرامة عن قلقها لعدم تعاون السلطات المصریة مع لجنة مناهضة التعذیب ورفضها تنفیذ کل التوصیات الصادرة عنها، وقیامها بدل ذلک بالتشکیک فی مصداقیة المنظمات الحقوقیة ومنها "الکرامة" رغم صحة جمیع المعلومات الواردة فی تقاریرها.
ویقول الدکتور مراد دهینة، المدیر التنفیذی لمؤسسة الکرامة "صار تصرف بعض الحکومات العربیة کمصر والإمارات العربیة المتحدة نمطیا؛ إذ ترفض الاعتراف بانتهاکات حقوق الإنسان الممنهجة التی تقع بفعل موظفیها الذین تضمن لهم الإفلات من العقاب، وفی نفس الوقت توجه هذه الدول اتهاماتها الباطلة ضد منظمات کالکرامة التی توثق الانتهاکات" وأضاف قائلا "إن التوصیات التی أصدرتها لجنة أممیة رسمیة بعد تقص دقیق یعتبر أمرا هاما. کما نذکر أنه یمکن حسب القانون الدولی توصیف الممارسة الممنهجة والواسعة النطاق للتعذیب کجریمة ضد الانسانیة".